معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمُ ٱلۡحَقُّۖ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ مَـَٔابًا} (39)

{ ذلك اليوم الحق } الكائن الواقع يعني يوم القيامة ، { فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا } مرجعاً وسبيلاً بطاعته ، أي : فمن شاء رجع إلى الله بطاعته .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمُ ٱلۡحَقُّۖ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ مَـَٔابًا} (39)

وموقف هؤلاء المقربين إلى الله ، الأبرياء من الذنب والمعصية . موقفهم هكذا صامتين لا يتكلمون إلا بإذن وبحساب . . يغمر الجو بالروعة والرهبة والجلال والوقار . وفي ظل هذا المشهد تنطلق صيحة من صيحات الإنذار ، وهزة للنائمين السادرين في الخمار :

ذلك اليوم الحق . فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا . إنا أنذرناكم عذابا قريبا : يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ، ويقول الكافر : يال ليتني كنت ترابا . .

إنها الهزة العنيفة لأولئك الذين يتساءلون في ارتياب : ( ذلك اليوم الحق ) . . فلا مجال للتساؤل والاختلاف . . والفرصة ما تزال سانحة ! ( فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا ) . . قبل أن تكون جهنم مرصادا ومآبا !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمُ ٱلۡحَقُّۖ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ مَـَٔابًا} (39)

القول في تأويل قوله تعالى : { ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقّ فَمَن شَآءَ اتّخَذَ إِلَىَ رَبّهِ مَآباً * إِنّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَلَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً } .

يقول تعالى ذكره : ذلكَ اليَوْمُ يعني : يوم القيامة ، وهو يوم يقوم الروح والملائكة صفا الْحَقّ : يقول : إنه حقّ كائن ، لا شكّ فيه .

وقوله : فَمَنْ شاءَ اتّخَذَ إلى رَبّهِ مآبا يقول : فمن شاء من عباده اتخذ بالتصديق بهذا اليوم الحقّ ، والاستعداد له ، والعمل بما فيه النجاة له من أهواله مآبا ، يعني : مرجعا وهو مَفْعَل ، من قولهم : آب فلان من سفره ، كما قال عُبَيد :

وكُلّ ذِي غَيْبَةٍ يَؤُوبُ *** وغائِبُ المَوْت لا يَؤُوبُ

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة فَمَنْ شاءَ اتّخَذَ إلى رَبّهِ مآبا قال : اتخذوا إلى الله مآبا بطاعته ، وما يقرّبهم إليه .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة إلى رَبّهِ مآبا قال : سبيلاً .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان مآبا يقول : مرجعا منزلاً .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمُ ٱلۡحَقُّۖ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ مَـَٔابًا} (39)

استئناف ابتدائي كالفذلكة لما تقدم من وعيد ووَعد ، إنذار وتبشير ، سيق مساق التنويه ب { يوم الفصل } [ النبأ : 17 ] الذي ابتدىء الكلام عليه من قوله : { إن يوم الفصل كان ميقاتاً } [ النبأ : 17 ] . والمقصود التنويه بعظيم ما يقع فيه من الجزاء بالثواب والعقاب وهو نتيجة أعمال الناس من يوم وجود الإِنسان في الأرض .

فوصف اليوم بالحق يجوز أن يراد به الثابت الواقع كما في قوله تعالى : { وإن الدين لواقع } [ الذاريات : 6 ] قوله آنفاً : { إن يوم الفصل كان ميقاتاً } ، فيكون { الحق } بمعنى الثابت مثل ما في قوله تعالى : { واقترب الوعد الحق } [ الأنبياء : 97 ] .

ويجوز أن يراد بالحق ما قابل الباطل ، أي العدلُ وفصلُ القضاء فيكون وصف اليوم به على وجه المجاز العقلي إذ الحق يقع فيه واليوم ظرف له قال تعالى : { يوم القيامة يفصل بينكم } [ الممتحنة : 3 ] .

ويجوز أن يكون الحق بمعنى الحقيق بمسمى اليوم لأنه شاع إطلاق اسم اليوم على اليوم الذي يكون فيه نصر قبيلة على أخرى مثل : يوممِ حليمة ، ويوم بُعَاث . والمعنى : ذلك اليوم الذي يحق له أن يقال : يوم ، وليس كأيام انتصار الناس بعضهم على بعض في الدنيا فيكون كقوله تعالى : { ذلك يوم التغابن } [ التغابن : 9 ] ، فهو يوم انتقام الله من أعدائه الذين كفروا نعمته وأشركوا به عبيده في الإلهية ويكون وصف الحق بمثل المعنى الذي في قوله تعالى : { الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به } [ البقرة : 121 ] ، أي التلاوة الحقيقة باسم التلاوة وهي التلاوة بفهم معاني المتلوّ وأغراضه .

والإِشارة بقوله : { ذلك } إلى اليوم المتقدم في قوله : { إن يوم الفصل كان ميقاتاً } [ النبأ : 17 ] . ومفاد اسم الإشارة في مثل هذا المقام التنبيه على أن المشار إليه حقيق بما سيوصف به بسبب ما سبق من حكاية شؤونه كما في قوله تعالى : { أولئك على هدى من ربهم } [ البقرة : 5 ] بعد قوله : { هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب } إلى قوله : { وبالآخرة هم يوقنون } [ البقرة : 2 4 ] ، فلأجل جميع ما وصف به { يوم الفصل } كان حقيقاً بأن يوصف بأنه { اليوم الحق } وما تفرع عن ذلك من قوله : { فمن شاء اتخذ إلى ربه مئاباً } .

وتعريف { اليوم } باللام للدلالة على معنى الكمال ، أي هو الأعظم من بين ما يعده الناس من أيام النصر للمنتصرين لأنه يوم يجمع فيه الناس كلهم ويعطى كل واحد منهم ما هو أهله من خير أو شر فكأنَّ ما عداه من الأيام المشهورة في تاريخ البشر غير ثابت الوقوع .

وفرّع عليه { فمن شاء اتخذ إلى ربه مئاباً } بفاء الفصيحة لإفصاحها عن شرط مقدر ناشىء عن الكلام السابق . والتقدير : فإذا علمتم ذلك كله فمن شاء اتخاذ مآب عند ربه فليتخذه ، أي فقد بان لكم ما في ذلك اليوم من خير وشر فليختر صاحب المشيئة ما يليق به للمصير في ذلك اليوم .

والتقدير : مآباً فيه ، أي في اليوم .

وهذا التفريع من أبدع الموعظة بالترغيب والترهيب عند ما تَسْنَحُ الفرصة للواعظ من تهيُّؤ النفوس لقبول الموعظة .

والاتخاذ : مبالغة في الأخذ ، أي أخَذَ أخْذاً يشبه المطاوعة في التمكن ، فالتاء فيه ليست للمطاوعة الحقيقية بل هي مجاز وصَارت بمنزلة الأصلية .

والاتخاذ : الاكتساب والجَعْل ، أي ليقتن مكاناً بأن يؤمنَ ويعمل صالحاً لينال مكاناً عند الله لأنّ المآب عنده لا يكون إلا خيراً .

فقوله : { إلى ربه } دل على أنه مآب خير لأن الله لا يرضى إلا بالخير .

والمآب يكون اسم مَكان من آب ، إذا رجع فيطلق على المسكن لأن المرء يؤوب إلى مسكنه ، ويكون مصدراً ميمياً وهو الأوب ، أي الرجوع كقوله تعالى : { إليه أدعو وإليه مآب } [ الرعد : 36 ] ، أي رجوعي ، أي فليجعل أوْباً مناسباً للقاء ربه ، أي أوْباً حسناً .