معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞فَـَٔامَنَ لَهُۥ لُوطٞۘ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (26)

قوله تعالى : { فآمن له لوط } يعني : صدقه ، وهو أول من صدق إبراهيم وكان ابن أخيه ، { وقال } يعني إبراهيم ، { إني مهاجر إلى ربي } فهاجر من كوثى ، وهو من سواد الكوفة ، إلى حران ثم إلى الشام ، ومعه لوط وامرأته سارة ، وهو أول من هاجر ، قال مقاتل : هاجر إبراهيم عليه السلام وهو ابن خمس وسبعين سنة . { إنه هو العزيز الحكيم* }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞فَـَٔامَنَ لَهُۥ لُوطٞۘ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (26)

14

وانتهت دعوة إبراهيم لقومه ، والمعجزة التي لا شك فيها . انتهت هذه وتلك بإيمان فرد واحد غير امرأته هو لوط . ابن أخيه فيما تذكر بعض الروايات . وهاجر معه من أور الكلدانيين في العراق ، إلى ما وراء الأردن حيث استقر بهما المقام :

( فآمن له لوط ، وقال : إني مهاجر إلى ربي ، إنه هو العزيز الحكيم ) . .

ونقف أمام قولة لوط : ( إني مهاجر إلى ربي ) . . لنرى فيم هاجر . إنه لم يهاجر للنجاة . ولم يهاجر إلى أرض أو كسب أو تجارة . إنما هاجر إلى ربه . هاجر متقربا له ملتجئا إلى حماه . هاجر إليه بقلبه وعقيدته قبل أن يهاجر بلحمه ودمه . هاجر إليه ليخلص له عبادته ويخلص له قلبه ويخلص له كيانه كله في مهجره ، بعيدا عن موطن الكفر والضلال . بعد أن لم يبق رجاء في أن يفيء القوم إلى الهدى والإيمان بحال .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞فَـَٔامَنَ لَهُۥ لُوطٞۘ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (26)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنّي مُهَاجِرٌ إِلَىَ رَبّيَ إِنّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } .

يقول تعالى ذكره : فصدّق إبراهيمَ خليلَ الله لوطٌ وَقالَ إنّي مُهاجِرٌ إلى رَبّي يقول : وقال إبراهيم : إني مهاجر دار قومي إلى ربي إلى الشام . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : فآمَنَ لَهُ لُوطٌ قال : صدّق لوط وَقالَ إنّي مُهاجِرٌ إلى رَبّي قال : هو إبراهيم .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فآمَنَ لَهُ لُوطٌ أي فصدّقه لوط وَقالَ إنّي مُهاجِرٌ إلى رَبّي قال : هاجَرا جميعا من كوثى ، وهي من سواد الكوفة إلى الشام . قال : وذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «إنها سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ ، يَنْحازُ أهْلُ الأرْضِ إلى مُهاجَرِ إبْرَاهِيمَ ، وَيَبْقَي فِي الأرْضِ شِرَارُ أهْلِها ، حتى تَلْفِظَهُمْ وَتَقْذَرَهُمْ وتَحْشُرَهُمُ النّارُ مَعَ القِرَدَةِ والخَنازِيرِ » .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فآمَنَ لَهُ لُوطٌ قال : صدّقه لوط ، صدق إبراهيم قال : أرأيت المؤمنين ، أليس آمنوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به ؟ قال : فالإيمان : التصديق . وفي قوله : إنّي مُهاجِرٌ إلى رَبّي قال : كانت هِجْرته إلى الشأم .

وقال ابن زيد في حديث الذئب الذي كلم الرجل ، فأخبر به النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فآمَنْتُ لَهُ أنا وأبُو بَكْرٍ وعُمَر ، ولَيْسَ أبُو بَكْرٍ ولا عُمَرُ مَعَهُ » يعني آمنت له : صدّقته .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، في قوله فآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إنّي مُهاجِرٌ إلى رَبّي قال : إلى حَرّان ، ثم أُمر بعد بالشأم الذي هاجر إبراهيم ، وهو أوّل من هاجَر يقول : فآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إبْراهِيمُ إنّي مُهاجِرٌ . . . الاَية .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله فآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إنّي مُهاجِرٌ إلى رَبّي إبراهيم القائل : إني مهاجر إلى ربي .

وقوله : إنّهُ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ يقول : إن ربي هو العزيز الذي لا يذِلّ من نَصَره ، ولكنه يمنعه ممن أراده بسوء ، وإليه هجرته ، الحكيم في تدبيره خلقه ، وتصريفه إياهم فيما صرفهم فيه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞فَـَٔامَنَ لَهُۥ لُوطٞۘ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (26)

{ فآمن له لوط } هو ابن أخيه وأول من آمن به ، وقيل إنه آمن به حين رأى النار لم تحرقه { وقال إني مهاجر } من قومي . { إلى ربي } إلى حيث أمرني . { إنه هو العزيز } الذي يمنعني من أعدائي . { الحكيم } الذي لا يأمرني إلا بما فيه صلاحي . روي أنه هاجر من كوثى من سواد الكوفة مع لوط وامرأته سارة ابنة عمه إلى حران ، ثم منها إلى الشام فنزل فلسطين ونزل لوط سدوم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞فَـَٔامَنَ لَهُۥ لُوطٞۘ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (26)

{ فئَامَنَ لَهُ لُوطٌ }

جملة معترضة بين الإخبار عن إبراهيم اعتراض التفريع ، وأفادت الفاء مبادرة لوط بتصديق إبراهيم ، والاقتصار على ذكر لوط يدل على أنه لم يؤمن به إلا لوط لأنه الرجل الفرد الذي آمن به وأما امرأة إبراهيم وامرأة لوط فلا يشملهما اسم القوم في قوله تعالى { وإبراهيم إذ قال لقومه } [ العنكبوت : 16 ] الآية لأن القوم خاص برجال القبيلة قال زهير :

أقَوْمٌ آل حصن أم نساء

وفي التوراة أنه كانت معه زوجُهُ ( سارة ) وزوج لوط واسمها ( ملكة ) . ولوط هو ابن ( هاران ) أخي إبراهيم ، فلوط يومئذ من أمة إبراهيم عليهما السلام .

{ وَقَالَ إِنِّى مُهَاجِرٌ إلى ربى إِنَّهُ هُوَ العَزِيزُ الْحَكِيمُ } .

عطف على جملة { فأنجاه الله من النار } [ العنكبوت : 24 ] .

فضمير { قال } عائد إلى إبراهيم ، أي أعلن أنه مهاجر ديار قومه وذلك لأن الله أمره بمفارقة ديار أهل الكفر .

وهذه أول هجرة لأجل الدين ولذلك جعلها هجرة إلى ربه . والمهاجرة مفاعلة من الهجر : وهو ترك شيء كان ملازماً له ، والمفاعلة للمبالغة أو لأن الذي يهجر قومه يكونون هم قد هجروه أيضاً .

وحرف { إلى } في قوله { إلى ربي } للانتهاء المجازي إذ جعل هجرته إلى الأرض التي أمره الله بأن يهاجر إليها كأنها هجرة إلى ذات الله تعالى فتكون { إلى } تخييلاً لاستعارة مكنية ؛ أو جعل هجرته من المكان الذي لا يعبد أهله الله لطلب مكان ليس فيه مشركون بالله كأنه هجرة إلى الله ، فتكون { إلى } على هذا الوجه مستعارة لمعنى لام التعليل استعارة تبعية .

ورُشحت هذه الاستعارة على كلا الوجهين بقوله { إنه هو العزيز الحكيم } . وهي جملة واقعة موقع التعليل لمضمون { إني مهاجر إلى ربي } ، لأن من كان عزيزاً يعتز به جاره ونزيله .

وإتباع وصف { العزيز } ب { الحكيم } لإفادة أن عزته محكمة واقعة موقعها المحمود عند العقلاء مثل نصر المظلوم ، ونصر الداعي إلى الحق ، ويجوز أن يكون { الحكيم } بمعنى الحاكم فيكون زيادة تأكيد معنى { العزيز } .

وقد مضت قصة إبراهيم وقومه وبلادهم مفصلة في سورة الأنبياء .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{۞فَـَٔامَنَ لَهُۥ لُوطٞۘ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (26)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{فئامن له لوط} يعني: فصدق بإبراهيم لوط، عليهما السلام، وهو أول من صدق بإبراهيم حين رأى إبراهيم لم تضره النار، {وقال} إبراهيم، عليه السلام: {إني مهاجر إلى ربي}، يعني هجر قومه المشركين من أرض كوثا هو ولوط، وسارة أخت لوط، عليهم السلام، إلى الأرض المقدسة، {إلى ربي}، يعني: إلى رضا ربي، وقال في الصافات: {إني ذاهب إلى ربي}، يعني: إلى رضا ربي، {سيهدين} [الصافات:99] فهاجر... {إنه هو العزيز الحكيم}.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: فصدّق إبراهيمَ خليلَ الله "لوطٌ وَقالَ إنّي مُهاجِرٌ إلى رَبّي "يقول: وقال إبراهيم: إني مهاجر دار قومي إلى ربي إلى الشام... وقوله: "إنّهُ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ" يقول: إن ربي هو العزيز الذي لا يذِلّ من نَصَره، ولكنه يمنعه ممن أراده بسوء، وإليه هجرته، الحكيم في تدبيره خلقه، وتصريفه إياهم فيما صرفهم فيه.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

لا تَصِحُّ الهجرةُ إلى الله إلاّ بالتبرِّي -بالكمالِ- بالقلبِ عن غير الله.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{العزيز الحكيم} مع الهجرة إليه، صفتان بليغتان يقتضي استحقاق التوكل عليه.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

إن لوطا لما رأى معجزته آمن برسالته، وأما بالوحدانية فآمن حيث سمع حسن مقالته، وإليه أشار بقوله: {فآمن له لوط} وما قال فآمن لوط.

ما تعلق قوله وقال: {إني مهاجر إلى ربي} بما تقدم؟

فنقول لما بالغ إبراهيم في الإرشاد ولم يهتد قومه، وحصل اليأس الكلي حيث رأى القوم الآية الكبرى ولم يؤمنوا وجبت المهاجرة، لأن الهادي إذا هدى قومه ولم ينتفعوا فبقاؤه فيهم مفسدة لأنه إن دام على الإرشاد كان اشتغالا بما لا ينتفع به مع علمه فيصير كمن يقول للحجر صدق وهو عبث أو يسكت والسكوت دليل الرضا فيقال بأنه صار منا ورضي بأفعالنا، وإذا لم يبق للإقامة وجه وجبت المهاجرة.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان في سياق الابتلاء، وذكر من الأنبياء من طال ابتلاؤه، بين أنه لم يكن لهم من أممهم تابع يقدر على نصرهم، وأن الله سبحانه تولى كفايتهم فلم يقدر واحد على إهلاكهم، وأهلك أعداءهم، فلم يكن لهم من ناصرين فقال: {فآمن له} أي لأجل دعائه له مع ما رأى من الآيات {لوط} أي ابن أخيه هاران وحده، وهو أول من صدقه من الرجال {وقال} أي إبراهيم عليهما الصلاة والسلام مؤكداً لما هو جدير بالإنكار من الهجرة لصعوبتها: {إني مهاجر} أي خارج من أرضي وعشيرتي على وجه الهجر لهم فمنتقل ومنحاز {إلى ربي} أي إلى أرض ليس بها أنيس ولا عشير، ولا من ترجى نصرته، ولا من تنفع مودته، فحينئذ يتبين الرضى بالله وحده، والاعتماد عليه دون ما سواه، فهاجر من كوثى من سواد الكوفة إلى حران ثم منها إلى الأرض المقدسة فكانت له هجرتان، وهو أول من هاجر في الله...

ثم علل ذلك بما يسليه عن فراق أرضه وأهل وده من ذوي رحمه وأنسابه وأولي قربه، فقال مؤكداً تسكيناً لمن عساه يتبعه وتهويناً عليه لفراق ما ألفت النفوس من أنه لا عز إلا به من العشائر والأموال والمعارف: {إنه هو} أي وحده {العزيز} أي فهو جدير بإعزاز من انقطع إليه {الحكيم} فهو إذا أعز أحداً منعته حكمته من التعرض له بإذلال، بفعل أو مقال، كما صنع بي حين أراد إذلالي من كان جديراً بإعزازي من عشيرتي وأهل قربى، وبالغ في أذاي ممن كان حقيقاً بنفعي من ذوي رحمي وحبي.

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

{فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} أي صدَّقه في جميع مقالاتِه لا في نُبُّوتِه وما دعا إليه من التَّوحيدِ فقط فإنَّه كان منزَّهاً عن الكُفر. وما قيل إنَّه آمنَ له حين رَأى النَّارَ لم تحرقْهُ ينبغي أنْ يُحملَ على ما ذكرنا أو على أنْ يُرادَ بالإيمانِ الرُّتبةَ العاليةَ منه وهي التي لا يرتقِي إليها إلاَّ همم الأفرادِ الكُمَّل.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{فئَامَنَ لَهُ لُوطٌ}

جملة معترضة بين الإخبار عن إبراهيم اعتراض التفريع، وأفادت الفاء مبادرة لوط بتصديق إبراهيم، والاقتصار على ذكر لوط يدل على أنه لم يؤمن به إلا لوط لأنه الرجل الفرد الذي آمن به وأما امرأة إبراهيم وامرأة لوط فلا يشملهما اسم القوم في قوله تعالى {وإبراهيم إذ قال لقومه} [العنكبوت: 16] الآية لأن القوم خاص برجال القبيلة...

{وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إلى ربى إِنَّهُ هُوَ العَزِيزُ الْحَكِيمُ}.

عطف على جملة {فأنجاه الله من النار} [العنكبوت: 24].

فضمير {قال} عائد إلى إبراهيم، أي أعلن أنه مهاجر ديار قومه وذلك لأن الله أمره بمفارقة ديار أهل الكفر.

وهذه أول هجرة لأجل الدين ولذلك جعلها هجرة إلى ربه. والمهاجرة مفاعلة من الهجر: وهو ترك شيء كان ملازماً له، والمفاعلة للمبالغة أو لأن الذي يهجر قومه يكونون هم قد هجروه أيضاً.

وحرف {إلى} في قوله {إلى ربي} للانتهاء المجازي إذ جعل هجرته إلى الأرض التي أمره الله بأن يهاجر إليها كأنها هجرة إلى ذات الله تعالى فتكون {إلى} تخييلاً لاستعارة مكنية؛ أو جعل هجرته من المكان الذي لا يعبد أهله الله لطلب مكان ليس فيه مشركون بالله كأنه هجرة إلى الله، فتكون {إلى} على هذا الوجه مستعارة لمعنى لام التعليل استعارة تبعية.

ورُشحت هذه الاستعارة على كلا الوجهين بقوله {إنه هو العزيز الحكيم}. وهي جملة واقعة موقع التعليل لمضمون {إني مهاجر إلى ربي}، لأن من كان عزيزاً يعتز به جاره ونزيله.

وإتباع وصف {العزيز} ب {الحكيم} لإفادة أن عزته محكمة واقعة موقعها المحمود عند العقلاء مثل نصر المظلوم، ونصر الداعي إلى الحق، ويجوز أن يكون {الحكيم} بمعنى الحاكم فيكون زيادة تأكيد معنى {العزيز}.

وقد مضت قصة إبراهيم وقومه وبلادهم مفصلة في سورة الأنبياء.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

والهجرة إلى الله، هي الخروج إلى الأرض الواسعة التي يملك فيها حرية الحركة في عبادة الله والدعوة إليه والعمل في سبيله، بعيداً عن كل الضغوط التي تمنعه من ذلك، وعن الحلقة المفرغة التي كان يدور فيها من غير جدوى في دائرة قومه. وربما كان في الإشارة إلى إيمان لوط به، نوعٌ من الإيحاء بأنه لم يؤمن معه من قومه إلاّ لوط. والهجرة إلى الله، شعار إيمانيٌّ يحمله المسلم في قلبه، ويحرّكه في حياته، ليكون نقطة الانطلاق إلى الانفتاح على المواقع الجديدة التي يأمل فيها الحصول على القوّة عندما تحاصره القوى المضادة في نقاط ضعفه لتجمّده عن كل حركة، ليستطيع من خلال ذلك العودة إلى الساحة من مركز قوّة ليحوّلها إلى ساحة إيمان، أو العمل على توسعة آفاقه التي تقربه إلى الله وتقرّب الناس من الله، لأن رسالته لا تقتصر على قومه بل تشمل كل الناس. وهكذا رأينا أن هجرة إبراهيم إلى الله كانت السبب في بنائه للبيت، ليكون مثابة للناس وأمناً ومسجداً للطائفين والقائمين والركع السجود، وانطلاق الحنيفية إلى تلك المنطقة، مما قد لا يحصل في بقاء إبراهيم في دائرة قومه. وقد نجد في إعلان ذلك لقومه إيحاءً لهم، بأنه لن يضيع عندما يتركونه، ولن يذلّ عندما يخذلونه، بل سيجد عند ربه الهدى في حكمته ووحيه، وسيحصل على العزّة في قوّته وجبروته، وأنّ ربه ليس مجرد فكرةٍ تجريديةٍ يخلقها في داخل نفسه، كما يخلقون أصنامهم من خلال أوهامهم، بل هو حقيقة تهيمن على الكون كله، وتدبّره وترعاه، وترعى كل موجودٍ فيه، وتؤمّن كل خائفٍ في حياته. ولن يستطيع أحدٌ أن يرعاه كما يرعاه ربه، أو يحميه كما يحميه الله. ولذلك فإنه مهاجرٌ إليه، بعد خذلان قومه له واضطهادهم له {إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} لا يذل من نصره ولا يضيع من حفظه.