فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{۞فَـَٔامَنَ لَهُۥ لُوطٞۘ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (26)

{ فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم26 ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين27 }

فصدق لوط دعوة إبراهيم ، وآمن بما جاء به عن ربه ، هكذا صبر إبراهيم على تكذيب قومه ، وما فتر عن تبليغ الرسالة ، بل وفى عليه الصلاة والسلام وأقام على كل أصحاب الملل الزائغة من قومه الحجة ، جادل المفتون المتأله –النمرود- إذ زعم الهالك أنه يحيى ويميت ، فحاجه إبراهيم ، وبهت الذي كفر ، وجادل عباد الكواكب والقمر والشمس فأبطل زعمهم ، وجادل عبدة الأصنام بدءا بأبيه ثم بسائر الوثنيين فأقام عليهم الحجة البالغة ، فهموا بتحريقه خذلانا للحق وانتصارا للشرك والإفك ، وما استجاب له بعد هذا الكيد كله إلا ابن أخيه أو ابن أخته- كما قال المفسرون- وآمنت به سارة وكانت بنت عمه ، وهدى الله تعالى لوطا ، وقال إبراهيم إني تارك أرض قومي- الكوفة- ومرتحل إلى حيث يحب ربي ، إلى أرض الشام ، ويشهد لذلك قول الحق تبارك وتعالى : )ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين( {[3202]} ، وإن ربنا لهو القوي الذي لا يغلب ، ولا يمانع مراده ووحيه ، ولا يطفأ نوره ، وهو الحكيم في فعله وقضائه ، لا يفوته الصواب ، بل يدبر ويصرف الأمر بتقدير وعلم تامين وحكمة .

وذكر البيهقي عن قتادة قال : أول من هاجر إلى الله عز وجل بأهله- بعد لوط- عثمان بن عفان رضي الله عنه .

قال قتادة : سمعت النضر بن أنس يقول : سمعت أبا حمزة – يعني أنس بن مالك- يقول : خرج عثمان بن عفان ومعه رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض الحبشة ، فأبطأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهم ، فقدمت امرأة من قريش فقالت : يا محمد ! رأيت ختنك{[3203]} ومعه امرأته ، قال : " على أي حال رأيتهما " ؟ قالت : رأيته وقد حمل امرأته على حمار من هذه الدبابة{[3204]} وهو يسوقها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صحبهما الله إن عثمان لأول من هاجر بأهله بعد لوط " قال البيهقي : هذا في الهجرة الأولى . . اه

ومن الله الشكور الودود ، الولي الوهاب على إبراهيم فرزقه إسحق ولدا ، ووهب إسحق يعقوب ، وإنما وهب له إسحق من بعد إسماعيل عليهم صلاة الله وسلامه- وجعل سبحانه في ذرية إبراهيم النبوة فلم يبعث نبي من بعده إلا من ذريته ، { والكتاب } فالتوراة والإنجيل والقرآن نزلت على أنبياء من نسل إبراهيم- عليه الصلوات والتسليم- ومنحه الله ذكرا باقيا إلى يوم القيامة وآتاه ما لم يؤت أحدا من العالمين ، فاتخذه خليلا ، هذا من أجره في هذه الحياة ، وأما في الأخرى فهو في عداد من كمل صلاحهم ، وتم فوزهم وفلاحهم .


[3202]:سورة الأنبياء. الآية 71.
[3203]:زوج ابنتك .
[3204]:أي الضعاف التي تدب ولا تسرع.