اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{۞فَـَٔامَنَ لَهُۥ لُوطٞۘ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (26)

قوله تعالى : { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ } أي صدقه ، وهو أول من صدق إبراهيم ، وكان ابن أخيه وقال إبراهيم : { إني مُهَاجر إلى ربي } إلى حيث أمرني ربي بالتوجه إليه من «كوثا » وهو من سواد الكوفة إلى «حران ثم إلى الشام ومعه » لوط «وامرأته » سارة «وهو أول من هاجر » . وقال مقاتل : هاجر إبراهيم ( عليه الصلاة والسلام ){[41325]} وهو ابن خَمْسٍ وسبعينَ{[41326]} سنةً . ثم قال : { إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } ، عزيز يمنع أعدائي عن إيذائي بعونه ، و «حكيم » لا يأمرني إلا بما يوافق الحكمة .

( فإن قيل ){[41327]} : قوله { فآمن له لوط } أي بعد ما رأى منه العجز القاهر ، ودرجة لوط كانت عالية فبقاؤه إلى هذه الوقت مما ينقص من الدرجة ، ألا ترى إلى{[41328]} أبي بكر - رضي الله عنه - لما قبل دين محمد - صلى الله عليه وسلم - كان قبوله قبل الكل من غير سماع تكلم الحَصَى ، ولا رُؤية انْشِقَاق القَمَر .

فالجواب : أن لوطاً لما رأى معجزته آمن برسالته ، وأما بالوحدانية فآمن مِن حيث سمع مقالته ، ولهذا قال : { فآمن له لوط } ، ولم يقل : «فآمن لوط » .

فإن{[41329]} قيل : ما وجه تعلق قوله : { وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إلى ربي } بما{[41330]} تقدم ؟ .

فنقول : لما بالغ إبراهيم في الإرشاد ، ولم يهتدِ قومه وحصل اليأس الكلي ، ورأى القوم الآية الكبرى ولم يؤمنوا وجبت{[41331]} المهاجرة ، لأن الهادي إذا هدى قومه ولم ينتفعوا فبقاؤه فيهم مفسد ، لأنه إذا دام على الإرشاد كان اشتغالاً بما لا ينتفع في علمه ، فيصير كمن يقول للحجر صدق ، وهو عبث والسكوت دليل الرضا فيقال : إنه صار منا ، ورضي بأفعالنا ، وإذا لم يبق للإقامة وجه وجبت المهاجرة .

فإن قيل : ما الحكمة في قوله : { إِنِّي مُهَاجِرٌ إلى ربي } ولم يقل : { مهاجر إلى حيثُ أمرني ربي } مع أن المهاجرة إلى الرب توهم الجهة .

فالجواب : أن قوله { إلى حيث أمرني ربي } ليس في الإخلاص ، كقوله : «إلَى رَبِّي » لأن الملك إذا صدر منه أمر برواح الأجناد إلى موضع ثم إن واحداً منهم عاد إلى ذلك الموضع لغرض ( في ){[41332]} نفسه يصيبه ، فقد هاجر إلى حيث أمره الملك ولكن لا مخلصاً لوجهه ، وقال : { مهاجر إلى ربي } يعني : توجهي إلى الجهة المأمور بالهجرة إليها ليس طلباً للجهة ، إنما طلب لله{[41333]} .


[41325]:زيادة من ب.
[41326]:انظر: تفسير القرطبي 13/339.
[41327]:ساقط من ب.
[41328]:في ب: ألا ترى أن أبا بكر.
[41329]:في ب: فصل بدلاً من "فإن قيل".
[41330]:في ب: مما تقدم.
[41331]:في ب: وجب بالتذكير.
[41332]:زيادة يقتضيها السياق.
[41333]:انظر: الفخر الرازي 25/55.