معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتۡنَةٞۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥٓ أَجۡرٌ عَظِيمٞ} (15)

{ إنما أموالكم وأولادكم فتنة } بلاء واختبار وشغل عن الآخرة ، يقع بسببها الإنسان في العظائم ومنع الحق وتناول الحرام ، { والله عنده أجر عظيم } قال بعضهم : لما ذكر الله العداوة أدخل فيه من للتبعيض ، فقال : { إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم } لأن كلهم ليسوا بأعداء ، ولم يذكر " من " في قوله : { إنما أموالكم وأولادكم فتنة } لأنها لا تخلو عن الفتنة واشتغال القلب . وكان عبد الله بن مسعود يقول : لا يقولن أحدكم : اللهم إني أعوذ بك من الفتنة ، فإنه ليس منكم أحد يرجع إلى مال وأهل وولد إلا وهو مشتمل على فتنة ، ولكن ليقل : اللهم إني أعوذ بك من مضلات الفتن .

أخبرنا أبو منصور محمد بن عبد الملك المظفري ، أنبأنا أبو سعيد أحمد بن محمد ابن الفضل الفقيه ، أنبأنا أبو الحسن أحمد بن إسحاق الفقيه ، حدثنا أحمد بن بكر بن سيف ، حدثنا علي بن الحسن ، أنبأنا الحسين بن واقد ، عن عبد الله بن بريدة قال سمعت أبا بريدة يقول : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا ، فجاء الحسن والحسين ، وعليهما قميصان أحمران ، يمشيان ويعثران ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر ، فحملهما فوضعهما بين يديه ، ثم قال : صدق الله : { إنما أموالكم وأولادكم فتنة } نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران ، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتۡنَةٞۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥٓ أَجۡرٌ عَظِيمٞ} (15)

ثم كرر هذا التحذير في صورة أخرى من فتنة الأموال والأولاد . وكلمة فتنة تحتمل معنيين :

الأول أن الله يفتنكم بالأموال والأولاد بمعنى يختبركم ، فانتبهوا لهذا ، وحاذروا وكونوا أبدا يقظين لتنجحوا في الابتلاء ، وتخلصوا وتتجردوا لله . كما يفتن الصائغ الذهب بالنار ليخلصه من الشوائب !

والثاني أن هذه الأموال والأولاد فتنة لكم توقعكم بفتنتها في المخالفة والمعصية ، فاحذروا هذه الفتنة لا تجرفكم وتبعدكم عن الله .

وكلا المعنيين قريب من قريب .

وقد روى الإمام أحمد - بإسناده - عن عبد الله بن بريدة : سمعت أبي بريدة يقول : " كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يخطب ، فجاء الحسن والحسين - رضي الله عنهما - عليهما قميصان أحمران ، يمشيان ويعثران فنزل رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] من المنبر فحملهما ، فوضعهما بين يديه . ثم قال : " صدق الله ورسوله . إنما أموالكم وأولادكم فتنة . نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران ، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما " . . ورواه أهل السنة من حديث ابن واقد . فهذا رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وهذان ابنا بنته . . وإنه لأمر إذن خطير . وخطر . وإن التحذير والتنبيه فيه لضرورة يقدرها من خلق قلوب الناس ، وأودعها هذه المشاعر ، لتكفكف نفسها عن التمادي والإفراط ، وهي تعلم أن هذه الوشائج الحبيبة قد تفعل بها ما يفعل العدو ، وتؤدي بها إلى ما تؤدي إليه مكايد الأعداء !

ومن ثم يلوح لها بما عند الله بعد التحذير من فتنة الأموال والأولاد ، والعداوة المستسرة في بعض الأبناء والأزواج . فهذه فتنة ( والله عنده أجر عظيم ) . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتۡنَةٞۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥٓ أَجۡرٌ عَظِيمٞ} (15)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ * فَاتّقُواْ اللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنْفِقُواْ خَيْراً لأنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحّ نَفْسِهِ فَأُوْلََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } .

يقول تعالى ذكره : ما أموالكم أيها الناس وأولادكم إلا فتنة ، يعني بلاء عليكم في الدنيا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إنّما أمْوالُكُمْ وأوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ يقول : بلاء .

وقوله : وَاللّهُ عِنْدَهُ أجْرٌ عَظِيمٌ يقول : والله عند ثواب لكم عظيم ، إذا أنتم خالفتم أولادكم وأزواجكم في طاعة الله ربكم ، وأطعتم الله عزّ وجلّ ، وأدّيتم حقّ الله في أموالكم ، والأجر العظيم الذي عند الله الجنة ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَاللّهُ عنْدَهُ أجْرٌ عَظِيمٌ وهي الجنة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتۡنَةٞۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥٓ أَجۡرٌ عَظِيمٞ} (15)

إنما أموالكم وأولادكم فتنة اختبار لكم والله عنده أجر عظيم لمن آثر محبة الله وطاعته على محبة الأموال والأولاد والسعي لهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتۡنَةٞۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥٓ أَجۡرٌ عَظِيمٞ} (15)

ثم أخبر تعالى أن الأموال والأولاد { فتنة } تشغل المرء عن مراشده وتحمله من الرغبة في الدنيا على ما لا يحمده في آخرته ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : «الولد مجبنة »{[11143]} ( مبخلة ) ، وخرج أبو داود حديثاً في مصنفه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان يخطب يوم الجمعة على المنبر حتى جاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يجرانهما يعثران ويقومان ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر حتى أخذهما وصعد بهما ، ثم قرأ : { إنما أموالكم وأولادكم فتنة } الآية ، وقال إني رأيت هذين فلم أصبر ، ثم أخذ في خطبته{[11144]} .

قال القاضي أبو محمد : وهذه ونحوها هي فتنة الفضلاء ، فأما فتنة الجهال والفسقة ، فمؤدية إلى كل فعل مهلك ، وقال ابن مسعود : لا يقول أحدكم اللهم اعصمني عن الفتنة فإنه ليس يرجع أحد إلى أهل ومال إلا وهو مشتمل على فتنة ، ولكن ليقل : اللهم إني أعوذ بك من مضلات الفتن . وقال عمر لحذيفة : كيف أصبحت ؟ فقال : أصبحت أحب الفتنة وأكره الحق ، فقال عمر : ما هذا ؟ فقال : أحب ولدي وأكره الموت . وقوله تعالى : { والله عنده أجر عظيم } تزهيد في الدنيا وترغيب في الآخرة .


[11143]:أخرجه أبو يعلى في مسنده، ولفظه كما ذكره السيوطي في الجامع الصغير(الولد ثمرة القلب، وإنه مجبنة محزنة)، وقد رمز له السيوطي بأنه حديث ضعيف، وأخرجه البزار عن أبي سعيد بهذا اللفظ ثم قال:"لا نعرفه إلا بهذا الإسناد"، وقال أحمد: حدثنا الأشعث بن قيس قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد من كندة، فقال:(هل لك من ولد)؟ قلت: غلام وُلد لي في مخرجي إليك من ابنة حمد، ولوددت أن بمكانه سبع القوم، فقال:(لا تقولن ذلك فإن فيهم قرة عين وأجرا إذا قُبضوا)، ثم قال:(ولئن قلت ذاك غنهم لمجبنة محزنة)، قال الإمام ابن كثير في تفسيره: تفرد به أحمد.
[11144]:أخرجه ابن أبي شيبة، وأحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والحاكم، وابن مردويه، عن بُريدة رضي الله عنه، وأخرج مثله ابن مردويه عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما(الدر المنثور).