السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِنَّمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتۡنَةٞۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥٓ أَجۡرٌ عَظِيمٞ} (15)

{ إنما أموالكم } أي : عامة { وأولادكم } كذلك { فتنة } أي : اختبار من الله تعالى لكم ، وهو أعلم بما في نفوسكم منكم لكي ليظهر في عالم الشهادة من يميله ذلك فيكون عليه نقمة ممن لا يميله فيكون عليه نعمة ، فربما رام الإنسان صلاح ماله وولده فبالغ فأفسد نفسه ، ثم لا يصلح ذلك ماله ولا ولده . روى أبو نعيم في الحلية في ترجمة سفيان الثوري رضي الله عنه أنه قال : يؤتى برجل يوم القيامة فيقال : أكل عياله حسناته . وعن بعض السلف : العيال سوس الطاعات ويكفي في فتنة لمال قصة ثعلبة بن حاطب أحد من نزل فيه قوله تعالى : { ومنهم من عاهد الله } [ التوبة : 75 ] وعن ابن مسعود : لا يقولن أحدكم اللهم اعصمني من الفتنة ، فإنه ليس أحد منكم يرجع إلى مال ولا ولد إلا وهو مشتمل على فتنة ، ولكن ليقل اللهم أعوذ بك من مضلات الفتن . وقال الحسن في قوله تعالى : { إن من أزواجكم وأولادكم } أدخل من للتبعيض لأنهم كلهم ليسوا بأعداء ، ولم يذكر في قوله تعالى : { إنما أموالكم وأولادكم فتنة } لأنهما لا يخلوان من الفتنة واشتغال القلب بهما .

روى الترمذي وغيره عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجاء الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران ، فنزل صلى الله عليه وسلم فحملهما ووضعهما بين يديه ، ثم قال : صدق الله عز وجل { إنما أموالكم وأولادكم فتنة } نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما » ثم أخذ في خطبته .

تنبيه : قدم الأموال على الأولاد لأن فتنة المال أكثر ، وترك ذكر الأزواج في الفتنة قال البقاعي : لأن منهن من يكون صلاحاً وعوناً على الآخرة { والله } أي : ذو الجلال { عنده } وناهيك بما يكون منه بسبيل جلاله وعظمته { أجر } ثم وصفه بقوله تعالى : { عظيم } أي : لمن ائتمر بأوامره التي أمره بها .