معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحُكۡمَ وَٱلنُّبُوَّةَۚ فَإِن يَكۡفُرۡ بِهَا هَـٰٓؤُلَآءِ فَقَدۡ وَكَّلۡنَا بِهَا قَوۡمٗا لَّيۡسُواْ بِهَا بِكَٰفِرِينَ} (89)

قوله تعالى : { أولئك الذين آتيناهم الكتاب } ، أي : الكتب المنزلة عليهم .

قوله تعالى : { والحكم } ، يعني : العلم والفقه .

قوله تعالى : { والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء } ، يعني : أهل مكة .

قوله تعالى : { فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين } ، يعني : الأنصار ، وأهل المدينة ، قاله ابن عباس ومجاهد ، وقال قتادة : فإن يكفر بها هؤلاء الكفار فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين ، يعني : الأنبياء الثمانية عشر الذين ذكرهم هاهنا ، وقال أبو رجاء العطاري : معناه فإن يكفر بها أهل الأرض فقد وكلنا بها أهل السماء ، وهم الملائكة ، قوما ليسوا بها بكافرين .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحُكۡمَ وَٱلنُّبُوَّةَۚ فَإِن يَكۡفُرۡ بِهَا هَـٰٓؤُلَآءِ فَقَدۡ وَكَّلۡنَا بِهَا قَوۡمٗا لَّيۡسُواْ بِهَا بِكَٰفِرِينَ} (89)

74

( أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة . فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين ) . .

وهذا هو التقرير الثاني . . فقرر في الأول مصدر الهدى ، وقصره على هدى الله الذي جاءت به الرسل . وقرر في الثاني أن الرسل الذين ذكرهم والذين أشار إليهم ، هم الذين آتاهم الله الكتاب والحكمة والسلطان والنبوة -( والحكم ) يجيء بمعنى الحكمة كما يجيء بمعنى السلطان كذلك - وكلا المعنيين محتمل في الآية . فهؤلاء الرسل أنزل الله على بعضهم الكتاب كالتوراة مع موسى ، والزبور مع داود ، والإنجيل مع عيسى . وبعضهم آتاه الله الحكم كداود وسليمان - وكلهم أوتي السلطان على معنى أن ما معه من الدين هو حكم الله ، وأن الدين الذي جاءوا به يحمل سلطان الله على النفوس وعلى الأمور . فما أرسل الله الرسل إلا ليطاعوا ، وما أنزل الكتاب إلا ليحكم بين الناس بالقسط ، كما جاء في الآيات الأخرى . وكلهم أوتي الحكمة وأوتي النبوة . . وأولئك هم الذين وكلهم الله بدينه ، يحملونه إلى الناس ، ويقومون عليه ، ويؤمنون به ويحفظونه . . فإذا كفر بالكتاب والحكم والنبوة مشركو العرب : ( هؤلاء )فإن دين الله غني عنهم ؛ وهؤلاء الرهط الكرام والمؤمنون بهم هم حسب هذا الدين ! . . إنها حقيقة قديمة امتدت شجرتها ، وموكب موصول تماسكت حلقاته ؛ ودعوة واحدة حملها رسول بعد رسول ؛ وآمن بها ويؤمن من يقسم الله له الهداية ؛ بما يعلمه من استحقاقه للهداية ! . . وهو تقرير يسكب الطمأنينة في قلب المؤمن ، وفي قلوب العصبة المسلمة - أيا كان عددها - إن هذه العصبة ليست وحدها . ليست مقطوعة من شجرة ! إنها فرع منبثق من شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، وحلقة في موكب جليل موصول ، موصولة أسبابه بالله وهداه . . إن المؤمن الفرد ، في أي أرض وفي أي جيل ، قوي قوي ، وكبير كبير ، إنه من تلك الشجرة المتينة السامقة الضاربة الجذور في أعماق الفطرة البشرية وفي أعماق التاريخ الأنساني ، وعضو من ذلك الموكب الكريم الموصول بالله وهداه منذ أقدم العصور .