البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحُكۡمَ وَٱلنُّبُوَّةَۚ فَإِن يَكۡفُرۡ بِهَا هَـٰٓؤُلَآءِ فَقَدۡ وَكَّلۡنَا بِهَا قَوۡمٗا لَّيۡسُواْ بِهَا بِكَٰفِرِينَ} (89)

{ أولك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة } لما ذكر أنه تعالى فضلهم واجتباهم وهداهم ذكر ما فضلوا به ، والكتاب : جنس للكتب الإلهية كصحف إبراهيم والتوراة والزبور والإنجيل ، والحكم : الحكمة أو الحكم بين الخصوم أو ما شرعوه أو فهم الكتاب أو الفقه في دين الله أقوال ، وقال أبو عبد الله الرازي : { آتيناهم الكتاب } هي رتبة العلم يحكمون بها على بواطن الناس وأرواحهم و { الحكم } مرتبة نفوذ الحكم بحسب الظاهر و { النبوة } المرتبة الثالثة وهي التي يتفرع على حصولها حصول المرتبتين فالحكام على الخلق ثلاث طوائف .

انتهى ملخصاً .

{ فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين } الظاهر أن الضمير في { بها } عائد إلى النبوة لأنها أقرب مذكور ، وقال الزمخشري : { بها } بالكتاب والحكم والنبوة فجعل الضمير عائداً على الثلاثة وهو أيضاً له ظهور ، والإشارة بهؤلاء إلى كفار قريش وكل كافر في ذلك العصر ، قاله ابن عباس وقتادة والسدّي وغيرهم ، وقال الزمخشري : { هؤلاء } يعني أهل مكة انتهى وقال السدّي ، وقال الحسن : أمّة الرسول ومعنى { وكلنا } أرصدنا للإيمان بها والتوكيل هنا استعارة للتوفيق للإيمان بها والقيام بحقوقها كما يوكل الرجل بالشيء ليقوم به ويتعهده ويحافظ عليه ، والقوم الموكلون بها هنا هم الملائكة قاله أبو رجاء ، أو مؤمنوا أهل المدينة قاله ابن عباس وقتادة والضحاك والسدي ، وقال الزمخشري : { قوماً } هم الأنبياء المذكورون ومن تابعهم بدليل قوله { أولئك الذين هدى الله } انتهى .

وهو قول الحسن وقتادة أيضاً قالا : المراد بالقوم من تقدّم ذكره من الأنبياء والمؤمنين ، وقيل : الأنبياء الثمانية عشر المتقدم ذكرهم واختاره الزجاج وابن جرير لقوله بعد { أولئك الذين هدى الله } .

وقيل : المهاجرون والأنصار ، وقيل : كل من آمن بالرسول ، وقال مجاهد هم الفرس والآية وإن كان قد فسر بها مخصوصون فمعناها عام في الكفرة والمؤمنين إلى يوم القيامة .