معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يُلۡقُونَ ٱلسَّمۡعَ وَأَكۡثَرُهُمۡ كَٰذِبُونَ} (223)

قوله تعالى :{ يلقون السمع } أي : يستمعون من الملائكة مسترقين ، فيلقون إلى الكهنة ، { وأكثرهم كاذبون } لأنهم يخلطون به كذباً كثيراً .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يُلۡقُونَ ٱلسَّمۡعَ وَأَكۡثَرُهُمۡ كَٰذِبُونَ} (223)

{ يُلْقُونَ } عليه { السَّمْعَ } الذي يسترقونه من السماء ، { وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ } أي : أكثر ما يلقون إليه كذب{[585]} فيصدق واحدة ، ويكذب معها مائة ، فيختلط الحق بالباطل ، ويضمحل الحق بسبب قلته ، وعدم علمه . فهذه{[586]} صفة الأشخاص الذين تنزل عليهم الشياطين ، وهذه صفة وحيهم له .

وأما محمد صلى الله عليه وسلم ، فحاله مباينة لهذه الأحوال أعظم مباينة ، لأنه الصادق الأمين ، البار الراشد ، الذي جمع بين بر القلب ، وصدق اللهجة ، ونزاهة الأفعال من المحرم .

والوحي الذي ينزل عليه من عند الله ، ينزل محروسا محفوظا ، مشتملا على الصدق العظيم ، الذي لا شك فيه ولا ريب ، فهل يستوي - يا أهل العقول - هذا وأولئك ؟ وهل يشتبهان ، إلا على مجنون ، لا يميز ، ولا يفرق بين الأشياء ؟ .


[585]:- في النسختين: كذبا.
[586]:- في النسختين: هذا.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يُلۡقُونَ ٱلسَّمۡعَ وَأَكۡثَرُهُمۡ كَٰذِبُونَ} (223)

وثانيهما قوله : { يلقون السمع وأكثرهم كاذبون } أي الأفاكون يلقون السمع إلى الشياطين فيتلقون منهم ظنونا وأمارات لنقصان علمهم ، فيضمون إليها على حسب تخيلاتهم أشياء لا يطابق أكثرها كما جاء في الحديث " الكلمة يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه فيزيد فيها أكثر من مائة كذبه ولا كذلك محمد صلى الله عليه وسلم فإنه أخبر عن مغيبات كثيرة لا تحصى وقد طابق كلها وقد فسر الأكثر بالكل لقوله تعالى : { كل أفاك أثيم } . والأظهر أن الأكثرية باعتبار أقوالهم على معنى أن هؤلاء قل من يصدق منهم فيما يحكي عن الجني . وقيل الضمائر للشياطين أي يلقون السمع إلى الملأ الأعلى قبل أن يرجموا فيختطفون منهم بعض المغيبات ويوحون به إلى أوليائهم أو يلقون مسموعهم منهم إلى أوليائهم وأكثرهم كاذبون فيما يوحون به إليهم إذ يسمعونهم لا على نحو ما تكلمت به الملائكة لشرارتهم ، أو لقصور فهمهم أو ضبطهم أو إفهامهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يُلۡقُونَ ٱلسَّمۡعَ وَأَكۡثَرُهُمۡ كَٰذِبُونَ} (223)

{ يُلقون السمع } صفة ل { كلِّ أفاك أثيم } ، أي يظهرون أنهم يُلقون أسماعهم عند مشاهدة كواكب لتتنزل عليهم شياطينهم بالخبر ، وذلك من إفكهم وإثمهم .

وإلقاء السمع : هو شدة الإصغاء حتى كأنه إلقاءٌ للسمع من موضعه ، شبه توجيه حاسة السمع إلى المسموع الخفي بإلقاء الحجر من اليد إلى الأرض أو في الهواء قال تعالى : { أو ألقَى السمع وهو شهيد } [ ق : 37 ] ، أي أبلغ في الإصغاء لِيَعِيَ ما يُقال له .

وهذا كما أطلق عليه إصغاء ، أي إمالة السمع إلى المسموع .

وقوله : { وأكثرهم كاذبون } أي أكثر هؤلاء الأفاكين كاذبون فيما يزعمون أنهم تلقوه من الشياطين وهم لم يتلقوا منها شيئاً ، أي وبعضهم يتلقى شيئاً قليلاً من الشياطين فيكذب عليه أضعافه .

ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن الكهان فقال : « ليسوُا بشيء » قيل : يا رسول الله فإنهم يحدثون أحياناً بالشيء يكون حقاً . فقال : « تلك الكلمة من الحق يخطفها الجِنيّ فَيَقَرُّها في أذُن وليه قَرَّ الدَّجاجة فيخلطون عليها أكثر من مائة كذبة » فهم أفّاكون وهم متفاوتون في الكذب فمنهم أفاكون فيما يزيدونه على خبر الجن ، ومنهم أفّاكون في أصل تلقي شيء من الجن ، ولما كان حال الكهان قد يلتبس على ضعفاء العقول ببعض أحوال النبوءة في الإخبار عن غيب ، وأسجاعهم قد تلتبس بآيات القرآن في بادىء النظر . أطنَبت الآية في بيان ماهية الكهانة وبينت أن قصاراها الإخبارُ عن أشياء قليلة قد تصدق فأينَ هذا من هدي النبي والقرآن وما فيه من الآداب والإرشاد والتعليم والبلاغة والفصاحة والصراحة والإعجاز ولا تصدي منه للإخبار بالمغيبات . كما قال : { ولا أعلم الغيب } [ الأنعام : 50 ] في آيات كثيرة من هذا المعنى .