{ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ } أي : كثير الرزق ، الذي ما من دابة في الأرض ولا في السماء إلا على الله رزقها ، ويعلم مستقرها ومستودعها ، { ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } أي : الذي له القوة والقدرة كلها ، الذي أوجد بها الأجرام العظيمة ، السفلية والعلوية ، وبها تصرف في الظواهر والبواطن ، ونفذت مشيئته في جميع البريات ، فما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، ولا يعجزه هارب ، ولا يخرج عن سلطانه أحد ، ومن قوته ، أنه أوصل رزقه إلى جميع العالم ، ومن قدرته وقوته ، أنه يبعث الأموات بعد ما مزقهم البلى ، وعصفت بترابهم{[867]} الرياح ، وابتلعتهم الطيور والسباع ، وتفرقوا وتمزقوا في مهامه القفار ، ولجج البحار ، فلا يفوته منهم أحد ، ويعلم ما تنقص الأرض منهم ، فسبحان القوي المتين .
تعليل لجملتي { ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون } [ الذاريات : 57 ] و { الرزق } هنا بمعنى ما يعمّ المال والإِطعام .
والرزاق : الكثير الإِرزاق ، والقوةُ : القدرة .
وذو القوة : صاحب القدرة . ومن خصائص ( ذو ) أن تضاف إلى أمر مهم ، فعلم أن القوة هنا قوة خلية من النقائص .
والمتين : الشديد ، وهو هنا وصف لذي القوة ، أي الشديد القوة ، وقد عدّ { المتين } في أسمائه تعالى . قال الغزالي : وذلك يرجع إلى معاني القدرة . وفي « معارج النور » شرح الأسماء « المتينُ : كمال في قوته بحيث لا يعارض ولا يُدانَى » .
فالمعنى أنه المستغني غنىً مطلقاً فلا يحتاج إلى شيء فلا يكون خلقه الخلق لتحصيل نفع له ولكن لعمران الكون وإجراء نظام العمران باتباع الشريعة التي يجمعها معنى العبادة في قوله : { إلا ليعبدون } [ الذاريات : 56 ] .
وإظهار اسم الجلالة في { إن الله هو الرزاق } إخراج للكلام على خلاف مقتضى الظاهر لأن مقتضاه : إني أَنا الرزاق ، فعدل عن الإِضمار إلى الاسم الظاهر لتكون هذه الجملة مستقلة بالدلالة لأنها سُيرت مسِير الكلام الجامع والأمثال .
وحذفت ياء المتكلم من { يعبدون } و { يطعمون } للتخفيف ، ونظائره كثيرة في القرآن .
وفي قوله : { إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين } طريق قصر لوجود ضمير الفصل ، أي : لا رَزَّاق ، ولا ذا قوة ، ولا متين إلا الله وهو قصر إضافي ، أي دون الأصنام التي يعبدونها .
فالقصر قصر إفراد بتنزيل المشركين في إشراكهم أصنامهم بالله منزلة من يدعي أن الأصنام شركاء لله في صفاته التي منها : الإِرزاق ، والقوة ، والشدة ، فأبطل ذلك بهذا القصر ، قال تعالى : { إن الذين تعبدون من دون اللَّه لا يملكون لكم رزقاً فابتغوا عند اللَّه الرزق واعبدوه } [ العنكبوت : 17 ] ، وقال : { إن الذين تدعون من دون اللَّه لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب } [ الحج : 73 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.