{ إِنَّ الله هُوَ الرزاق } الذي يرزق كل مفتقر إلى الرزق لا غيره سبحانه استقلالاً ، أو اشتراكاً ويفهم من ذلك استغناؤه عز وجل عن الرزق { ذُو القوة أَيُّ القوة المتين } شديد القوة ، والجملة تعليل لعدم الإرادة قال الإمام : كونه تعالى هو الرزاق ناظر إلى عدم طلب الرزق لأن من يطلبه يكون فقيراً محتاجا ؛ وكونه عز وجل هو ذو القوة المتين ناظر إلى عدم طلب العمل المراد من قوله سبحانه : { وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ } [ الذاريات : 57 ] لأن من يطلبه يكون عاجزاً لا قوة له فكأنه قيل : ما أريد منهم من رزق لأني أنا الرزاق وما أريد منهم من عمل لأني قوي متين ، وكان الظاهر أني أنا الرزاق كما جاء في قراءة له صلى الله عليه وسلم لكن التفت إلى الغيبة ، والتعبير بالاسم الجليل لاشتهاره بمعنى المعبودية فيكون في ذلك إشعار بعلة الحكم ولتخرج الآية مخرج المثل كما قيل ذلك في قوله تعالى : { إِنَّ الباطل كَانَ زَهُوقًا } [ الإسراء : 81 ] والتعبير به على القول بتقدير قل فيما تقدم هو الظاهر ، وتحتاج القراءة الأخرى إلى ما ذكرناه آنفاً ، وآثر سبحانه ذو القوة على القوى قيل : لأن في { ذُو } كما قال ابن حجر الهيثمي وغيره تعظيم ما أضيفت إليه ، والموضوف بها والمقام يقتضيه ولذا جيء بالمتين بعد ولم يكتف به عن الوصف بالقوة ؛ وقال الإمام : لما كان المقصود تقرير ما تقدم من عدم إرادة الرزق وعدم الاستعانة بالغير جيء بوصف الرزق على صيغة المبالغة لأنه بدونها لا يكفي في تقرير عدم إرادة الرزق وبوصف القوة بما لا مبالغة فيه لكفايته في تقرير عدم الاستعانة فإن من له قوة دون الغاية لا يستعين بغيره لكن لما لم يدل ذو القوة على أكثر من أن له تعالى قوة { مَا } زيد الوصف بالمتين وهو الذي له ثبات لا يتزلزل ، ثم قال : إن القوى أبلغ من ذي القوة والعزة أكمل من المتانة وقد قرن الأكمل بالأكمل وما دونه بما دونه في قوله تعالى : { لِيَعْلَمَ الله مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بالغيب إِنَّ الله قَوِىٌّ عَزِيزٌ } [ الحديد : 25 ] وفي قوله تعالى : { إِنَّ الله هُوَ الرزاق } الخ لما اقتضى المقام ذلك ، وقد أطال الكلام في هذا المقام وما أظنه يصفو عن كدر ، وقرأ ابن محيصن الرازق بزنة الفاعل ، وقرأ الأعمش . وابن وثاب المتين بالجر ، وخرج على أنه صفة القوة ، وجاز ذلك مع تذكيره لتأويلها بالاقتدار أو لكونه على زنة المصادر التي يستوي فيها المذكر والمؤنث ، أو لاجرائه مجرى فعيل بمعنى مفعول ، وأجاز أبو الفتح أن يكون صفة لذو وجر على الجوار كقولهم هذا حجر ضب خرب وضعف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.