الآية 58 وقوله تعالى : { إن الله هو الرّزّاق ذو القوة المتين } هذا يخرّج على وجهين :
أحدهما : أن الأسباب التي بها يُرزقون ، ويصلون إلى الانتفاع بها ، هي فعل الله تعالى ، وله فيها صُنعٌ ؟ صار بذلك رازقا ، لولا ذلك لم يصلوا إلى ذلك ، وإن كان الخلق هم الذين يكدّون{[19960]} ، ويعملون تلك الأسباب والمكاسِب . فإنما{[19961]} أُضيف إليه الرّزق لما أنشأ فعل تلك الأسباب والمكاسب منهم ، والله أعلم .
فيكون في هذا دليل أن لله صنعا في أفعال العبد ، وهو الخلق والإنشاء حين{[19962]} سمّى نفسه رازقا ، وهم يُرزقون بتلك المكاسب والأسباب أكثرها أو عامّتها{[19963]} بأفعالهم .
دلّ أن له فيها صنعا حتى تصحّ إضافة ذلك إليه وتسميّته رازقا ، ولا يجوز هذا الاسم لغيره ، والله أعلم .
والثاني : يحتمل إضافة الرزق إليه لأنه يرزقُهم بما جعل في تلك الأسباب والمكاسب من اللّطف لا بأنفس{[19964]} الأسباب لأنهم يزرعون ، ويطرحون البذر فيها ، فيهلك ذلك فيها ، وكذلك يسقون الأرض ، ويهلك ذلك الماء فيها .
ثم إن الله تعالى جعل بلطفه ورحمته في ذلك من اللطف ما يصير ذلك رزقا لهم بعد ذهاب عينه والقوة التي جعلها فيه .
وكذلك ما جعل فيه من الصّلاح والنضج والطبخ وما يرجع إلى الإصلاح لذلك والأكل والمضغ والابتلاع ونحو ذلك ، ليس في ذلك إلا امتلاء البطن ، وفي ذلك فساد ، فجعل فيه من القوة ما ينشر في البدن والأطراف قوة ، فتبقى{[19965]} بتلك القوة فيه{[19966]} الحياة والبقاء لا بنفس الرّزق ، وهو ما وصف الله عز وجل [ نفسه بقوله : ]{[19967]} { ن الله هو الرّزّاق ذو القوة المتين } بتلك القوة يحيون ، وبها يبقون .
ثم قوله تعالى : { المتين } هو وصف ونعت لتلك القوة ، فيجوز وصف القوة بالمتانة . فأما الله سبحانه وتعالى لا يوصف بها ، ولا يوصف أنه متين ، وهو كقوله : عز وجل : { ذو العرش المجيد } [ البروج : 15 ] [ وصف العرش بالمجد ]{[19968]} والعرش غيره .
فعلى ذلك القوة التي جعلها في ما ذكرنا غيره ، ويجوز أن يوصف بما ذكرنا من المتانة ، وهي القوة التي لا يملكها الخَلْق ، ولا يُدركون ذلك اللطف الذي جعل في ذلك ، والله أعلم .
وقال بعضهم : { ذو القوة المتين } أي ذو البطش الشديد في ما أهلك الأمم الخالية ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.