{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ } وهو التوراة { مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى } الذين كان خاتمتهم في الإهلاك العام ، فرعون وجنوده . وهذا دليل على أنه بعد نزول التوراة ، انقطع الهلاك العام ، وشرع جهاد الكفار بالسيف .
{ بَصَائِرَ لِلنَّاسِ } أي : كتاب اللّه ، الذي أنزله على موسى ، فيه بصائر للناس ، أي : أمور يبصرون بها ما ينفعهم ، وما يضرهم ، فتقوم الحجة على العاصي ، وينتفع بها المؤمن ، فتكون رحمة في حقه ، وهداية له إلى الصراط المستقيم ، ولهذا قال : { وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }
يخبر تعالى عما أنعم به على عبده ورسوله موسى الكليم ، عليه من ربه الصلاة والتسليم ، من إنزال التوراة عليه بعدما أهلك فرعون وملأه .
وقوله : { مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأولَى } يعني : أنه بعد إنزال التوراة لم يعذب أمة بعامة ، بل أمر المؤمنين أن يقاتلوا أعداء الله من المشركين ، كما قال : { وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ * فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً } [ الحاقة : 9 ، 10 ] .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن بشار ، حدثنا محمد وعبد الوهاب قالا حدثنا عوف ، عن أبي نَضْرَة ، عن أبي سعيد الخُدْري قال : ما أهلك الله قومًا بعذاب من السماء ولا من الأرض بعدما أنزلت التوراة على وجه الأرض ، غير القرية التي مسخوا قردة ، ألم تر أن الله يقول : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأولَى }{[22326]} .
ورواه ابن أبي حاتم ، من حديث عوف بن أبي جَميلة{[22327]} الأعرابي ، بنحوه . وهكذا رواه أبو بكر البزار في مسنده ، عن عمرو بن علي الفلاس ، عن يحيى القَطَّان ، عن عوف ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد موقوفًا{[22328]} . ثم رواه عن نصر بن علي ، عن عبد الأعلى ، عن عوف ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد - رفعه{[22329]} إلى النبي صلى الله عليه وسلم - قال : " ما أهلكَ الله قوما بعذاب من السماء ولا من الأرض إلا قبل موسى " ، ثم قرأ : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأولَى } {[22330]} .
وقوله : { بَصَائِرَ لِلنَّاسِ } أي : من العمى والغي ، { وهدى } إلى الحق ، { ورحمة } أي : إرشادا إلى الأعمال الصالحة ، { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } أي : لعل الناس يتذكرون به ، ويهتدون بسببه .
وقوله تعالى : { من بعد ما أهلكنا القرون الأولى } إخبار بأنه أنزل التوراة على موسى بعد هلاك فرعون قومه وبعد هذه الأمم التي قد تقدم ذكرها من عاد وثمود وقرية قوم لوط وغيرها ، والقصد بهذا الإخبار التمثيل لقريش بما تقدم في غيرها من الأمم ، وقالت ، فرقة : إن الآية مضمنة أن إنزال التوراة على موسى هو بعد أن رفع الله تعالى عذاب الأمم فلم تعذب أمة بعد نزول التوراة إلا القرية التي مسخت قردة ، فيما روي ، وقوله { بصائر } نصب على الحال ، أي طرائق هادية ، وقوله تعالى : { لعلهم يتذكرون } أي على ترجى البشر وما يعطيه تأميل من أمل الأمر ، وروي عن أبي سعيد الخدري أنه قال : ما أهلك الله تعالى أمة بعذاب منذ أنزل إلى الأرض غير القرية التي مسخت قردة{[9151]} وهم الذي تعدوا في السبت ، وهذا التعذيب من سبب شرع موسى فكأنه لا ينقص فضيلة التوراة برفع العذاب عن الأرض .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.