فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ مِنۢ بَعۡدِ مَآ أَهۡلَكۡنَا ٱلۡقُرُونَ ٱلۡأُولَىٰ بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لَّعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ} (43)

{ ولقد آتينا موسى الكتاب } أي التوراة { من بعد ما أهلكنا القرون الأولى } أي قوم نوح ، وعاد ، وثمود ، وغيرهم . وقيل : من بعد ما أهلكنا فرعون وقومه وخسفنا بقارون . والتعرض لكون إيتاء التوراة بعد إهلاك الأمم الماضية للإشعار بمسيس الحاجة الداعية إليها تمهيدا لما يعقبه من بيان الحاجة الداعية إلى إنزال القرآن على رسول الله .

فإن إهلاك القرون الأولى من موجبات اندراس معالم الشرائع وانطماس آثارها وأحكامها المؤديين إلى اختلال نظام العالم المستدعيين للتشريع الجديد ، بتقرير الأصول الباقية على ممر الدهور ، وترتيب الفروع المتبدلة بتبدل العصور ، وتذكير أحوال الأمم الخالية الموجبة ، كأنه قيل : ولقد آتينا موسى التوراة على حين حاجة إليها .

أخرج البزار ، وابن المنذر ، والحاكم صححه ، وابن مردويه عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أهلك الله قوما ؛ ولا قرنا ، ولا أمة ، ولا أهل قرية بعذاب من السماء منذ أنزل التوراة على وجه الأرض غير القرية التي مسخت قردة " ألم تر إلى قومه { ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى } وروى عنه موقوفا .

{ بصائر للناس } أي آتينا الكتاب لأجل أن يتصبر الناس به ، أو حال كونه بصائر لهم يبصرون به الحق ، و ( البصائر ) جمع بصيرة ، وهي نور القلب ، كما أن البصر نور العين { وهدى } يهتدون إليه ، وينقذون أنفسهم به من الضلالة بالاهتداء به { ورحمة } من الله رحمهم الله بها { لعلهم يتذكرون } هذه النعم ، فيشكرون الله ويؤمنون به ؛ ويجيبون داعيه إلى ما فيه خير لهم ويتعظون بما فيه من المواعظ .