معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ إِنِّيٓ أَعُوذُ بِكَ أَنۡ أَسۡـَٔلَكَ مَا لَيۡسَ لِي بِهِۦ عِلۡمٞۖ وَإِلَّا تَغۡفِرۡ لِي وَتَرۡحَمۡنِيٓ أَكُن مِّنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (47)

قوله تعالى : { قال } نوح { رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين* } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ إِنِّيٓ أَعُوذُ بِكَ أَنۡ أَسۡـَٔلَكَ مَا لَيۡسَ لِي بِهِۦ عِلۡمٞۖ وَإِلَّا تَغۡفِرۡ لِي وَتَرۡحَمۡنِيٓ أَكُن مِّنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (47)

فحينئذ ندم نوح ، عليه السلام ، ندامة شديدة ، على ما صدر منه ، و { قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ }

فبالمغفرة والرحمة ينجو العبد من أن يكون من الخاسرين ، ودل هذا على أن نوحا ، عليه السلام ، لم يكن عنده علم ، بأن سؤاله لربه ، في نجاة ابنه محرم ، داخل في قوله { وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ } بل تعارض عنده الأمران ، وظن دخوله في قوله : { وَأَهْلَكَ }

وبعد ذلك تبين له أنه داخل في المنهي عن الدعاء لهم ، والمراجعة فيهم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ إِنِّيٓ أَعُوذُ بِكَ أَنۡ أَسۡـَٔلَكَ مَا لَيۡسَ لِي بِهِۦ عِلۡمٞۖ وَإِلَّا تَغۡفِرۡ لِي وَتَرۡحَمۡنِيٓ أَكُن مِّنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (47)

{ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } أي : الذين وعدت إنجاءهم{[14627]} ؛ لأني{[14628]} إنما وعدتك{[14629]} بنجاة من آمن من أهلك ؛ ولهذا قال : { وَأَهْلَكَ إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ } [ هود : 40 ] ، فكان هذا الولد ممن سَبَق عليه القول بالغرق لكفره ومخالفته أباه نبيّ الله نوحا ، عليه السلام .

وقد نص غير واحد من الأئمة على تخطئة من ذهب في تفسير هذا إلى أنه ليس بابنه ، وإنما كان ابن زِنْية{[14630]} ، ويحكى القول بأنه ليس بابنه ، وإنما كان ابن امرأته عن مجاهد ، والحسن ، وعُبَيد بن عُمَير ، وأبي جعفر الباقر ، وابن جُرَيج ، واحتج بعضهم بقوله : { إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } وبقوله : { فَخَانَتَاهمُا } [ التحريم : 10 ] ، فممن قاله الحسن البصري ، احتج بهاتين الآيتين . وبعضهم يقول : كان ابن امرأته . وهذا يحتمل{[14631]} أن يكون أراد ما أراد الحسن ، أو أراد أنه نسب إليه مجازا ، لكونه كان ربيبًا عنده ، فالله أعلم .

وقال ابن عباس ، وغير واحد من السلف : ما زنت امرأة نبي قط ، قال : وقوله : { إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } أي : الذين وعدتك نجاتهم{[14632]} .

وقولُ ابن عباس في هذا هو الحق الذي لا محيد عنه ، فإن الله سبحانه{[14633]} أغير من أن يمكن{[14634]} امرأة نبي من الفاحشة{[14635]} ولهذا غضب الله على الذين رمَوا أم المؤمنين عائشة بنتَ الصدّيق زوج النبي صلى الله عليه وسلم{[14636]} ، وأنكر على المؤمنين الذين تكلموا بهذا وأشاعوه ؛ ولهذا قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ } إلى قوله { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ } [ النور : 11 - 15 ] .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا مَعْمَر ، عن قتادة وغيره ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس قال : هو ابنه غير أنه خالفه في العمل والنية . قال عكرمة : في بعض الحروف : " إنه عَمِل عملا غير صالح " ، والخيانة تكون على غير باب .

وقد ورد في الحديث أن رسول الله قرأ بذلك ، فقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن شَهْر بن حَوْشَب ، عن أسماء بنت يزيد قالت ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ : " إِنَّهُ عَمِلَ غَيْرَ صَالِح " ، وسمعته يقول{[14637]} : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا } ولا يبالي { إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [ الزمر : 53 ]{[14638]} .

وقال أحمد أيضا : حدثنا وَكِيع ، حدثنا هارون النحوي ، عن ثابت البُنَاني ، عن شَهْر بن حَوْشَب ، عن أم سلمة أن رسول الله قرأها : " إنه عَمِل غَيْرَ صَالِح " {[14639]} أعاده أحمد أيضا في مسنده{[14640]} .

أم سلمة هي{[14641]} أم المؤمنين والظاهر - والله أعلم - أنها أسماء{[14642]} بنت يزيد ، فإنها تكنى بذلك أيضا{[14643]} .

وقال عبد الرزاق أيضًا : أخبرنا الثوري وابن عيينة ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن سليمان بن قَتَّة قال : سمعت ابن عباس - سُئِل - وهو إلى جَنْب الكعبة - عن قول الله : { فَخَانَتَاهُمَا } [ التحريم : 10 ] ، قال : أما وإنه لم يكن بالزنا ، ولكن كانت هذه تخبر الناس أنه مجنون ، وكانت هذه تدل على الأضياف . ثم قرأ : { إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } قال ابن عيينة : وأخبرني عمار الدُهْبِي{[14644]} أنه سأل سعيد بن جبير عن ذلك فقال : كان ابن نوح ، إن الله لا يكذب ! قال تعالى : { وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ } قال : وقال بعض العلماء : ما فجرت امرأة نبي قط{[14645]} .

وكذا روي عن مجاهد أيضًا ، وعكرمة ، والضحاك ، وميمون بن مِهْران وثابت بن الحجاج ، وهو اختيار أبي جعفر بن جرير ، وهو الصواب [ الذي ]{[14646]} لا شك فيه .


[14627]:- في أ : "نجاتهم".
[14628]:- في ت : "الذين أي : ليس من أهلك وعدت بنجاتهم لأنما".
[14629]:- في ت ، أ : "وعدناك".
[14630]:- في ت ، أ : "ليس منك إنما هو ولد زنية".
[14631]:- في ت : "محتمل".
[14632]:- في ت : "بنجاتهم".
[14633]:- في ت : "تعالى".
[14634]:- في ت : "يمكن من".
[14635]:- في ت : "هذه الفاحشة".
[14636]:- في أ : "زوج النبي صلى الله عليه وسلم بالفاحشة".
[14637]:- في ت : "يقرأ".
[14638]:- المسند (6/454).
[14639]:- المسند (6/294).
[14640]:- المسند (6/322).
[14641]:- في ت ، أ : "هند".
[14642]:- في ت : "إنما هي أسماء".
[14643]:- قال الطبري في تفسيره (15/348) : "ولا نعلم هذه القراءة قرأ بها أحد من قرأة الأمصار إلا بعض المتأخرين ، واعتل في ذلك بخبر روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأ ذلك كذلك ، غير صحيح السند ، وذلك حديث روي عن شهر بن حوشب ، فمرة يقول : عن أم سلمة ، ومرة يقول عن أسماء بنت يزيد. ، ولا نعلم أبنت يزيد يريد؟ ولا نعلم لشهر سماعا يصح عن أم سلمة". وانظر : حاشية الأستاذ محمود شاكر عليه فقد أفاد وأجاد.
[14644]:- في ت : "الذهبي".
[14645]:- رواه الطبري في تفسيره (15/343).
[14646]:- زيادة من ت ، أ.

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ إِنِّيٓ أَعُوذُ بِكَ أَنۡ أَسۡـَٔلَكَ مَا لَيۡسَ لِي بِهِۦ عِلۡمٞۖ وَإِلَّا تَغۡفِرۡ لِي وَتَرۡحَمۡنِيٓ أَكُن مِّنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (47)

{ قال رب إني أعوذ بك أن أسألك } فيما يستقبل { ما ليس لي به علم } ما لا علم لي بصحته . { وإلا تغفر لي } وإن لم تغفر لي ما فرط مني في السؤال . { وترحمني } بالتوبة والتفضل علي . { أكن من الخاسرين } أعمالا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ إِنِّيٓ أَعُوذُ بِكَ أَنۡ أَسۡـَٔلَكَ مَا لَيۡسَ لِي بِهِۦ عِلۡمٞۖ وَإِلَّا تَغۡفِرۡ لِي وَتَرۡحَمۡنِيٓ أَكُن مِّنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (47)

هذه الآية فيها إنابة نوح وتسليمه لأمر الله تعالى واستغفاره بالسؤال الذي وقع النهي عليه والاستعاذة والاستغفار منه هو سؤال العزم الذي معه محاجة وطلبة ملحة فيما قد حجب وجه الحكمة فيه ؛ وأما السؤال في الأمور على جهة التعلم والاسترشاد فغير داخل في هذا .

وظاهر قوله : { فلا تسألنِ ما ليس لك به علم } [ هود : 46 ] يعم النحويين من السؤال ، فلذلك نبهت على أن المراد أحدهما دون الآخر ، و «الخاسرون » هم المغبونون حظوظهم من الخير .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ إِنِّيٓ أَعُوذُ بِكَ أَنۡ أَسۡـَٔلَكَ مَا لَيۡسَ لِي بِهِۦ عِلۡمٞۖ وَإِلَّا تَغۡفِرۡ لِي وَتَرۡحَمۡنِيٓ أَكُن مِّنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (47)

أجاب نوح عليه السّلام كلام ربّه بما يدل على التنصّل ممّا سأل فاستعاذ أن يسأل ما ليس له به علم ، فإن كان نوح عليه السّلام أراد بكلامه الأول التعريض بالسؤال فهو أمر قد وقع فالاستعاذة تتعلق بتبعة ذلك أو بالعود إلى مثله في المستقبل ؛ وإن كان إنّما أراد التمهيد للسؤال فالاستعاذة ظاهرة ، أي الانكفاف عن الإفضاء بالسؤال .

وقوله : { وإلاّ تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين } طلب المغفرة ابتداء لأن التخلية مقدمة على التحلية ثم أعقبها بطلب الرحمة لأنّه إذا كان بمحل الرضى من الله كان أهلاً للرحمة .

وقد سلك المفسرون في تفسيرهم هذه الآيات مسلك كون سؤال نوح عليه السّلام سؤالاً لإنجاء ابنه من الغرق فاعترضتهم سبل وَعْرة متنائية ، ولقوا عناء في الاتصال بينها ، والآية بمعزل عنها ، ولعلنا سلكنا الجادة في تفسيرها .