السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قَالَ رَبِّ إِنِّيٓ أَعُوذُ بِكَ أَنۡ أَسۡـَٔلَكَ مَا لَيۡسَ لِي بِهِۦ عِلۡمٞۖ وَإِلَّا تَغۡفِرۡ لِي وَتَرۡحَمۡنِيٓ أَكُن مِّنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (47)

{ قال } نوح { رب إني أعوذ بك أن } أي : من أن { أسألك } في شيء من الأشياء { ما ليس لي به علم } تأدباً بأدبك واتعاظاً بوعظك { وإلا تغفر لي } أي : الآن ما فرط مني وفي المستقبل ما يقع مني { وترحمني } أي : تستر زلاتي وتمحها وتكرمني { أكن من الخاسرين } أي : الغريقين في الخسارة . فإن قيل : هذا يدل على عصمة الأنبياء لوقوع هذه الزلة من نوح عليه السلام ؟ أجيب : بأنّ الزلة الصادرة من نوح إنما هي كونه لم يستقص ما يدل على نفاق ابنه وكفره ؛ لأنّ قومه كانوا على ثلاثة أقسام : كافر يظهر كفره ، ومؤمن يخفي إيمانه ، ومنافق لا يعلم حاله في نفس الأمر . وقد كان حكم المؤمنين هو النجاة وحكم الكافرين هو الغرق ، وكان ذلك معلوماً ، وأما أهل النفاق فبقي أمرهم مخفياً ، وكان ابن نوح منهم ، وكان يجوز فيه كونه مؤمناً ، وكانت الشفقة المفرطة التي تكون للأب في حق الابن تحمله على حمل أعماله وأفعاله لا على كونه كافراً بل على الوجوه الصحيحة فأخطأ في ذلك الاجتهاد كما وقع لآدم عليه السلام في الأكل من الشجرة فلم يصدر عنه إلا الخطأ في الاجتهاد ، فلم تصدر منه معصية ، فلجأ إلى ربه تعالى وخشع له ودعاه وسأله المغفرة والرحمة كما قال آدم عليه السلام : { ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين } [ الأعراف ، 23 ] لأنّ حسنات الأبرار سيئات المقرّبين .