واعلم أنه تعالى لما نهاه عن ذلك السؤال حكى عنه أنه قال : { رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين } والمعنى أنه تعالى لما قال له : { فلا تسألني ما ليس لك به علم } فقال عند ذلك قبلت يا رب هذا التكليف ، ولا أعود إليه إلا أني لا أقدر على الاحتراز منه إلا بإعانتك وهدايتك ، فلهذا بدأ أولا بقوله : { إني أعوذ بك } .
واعلم أن قوله : { إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم } إخبار عما في المستقبل ، أي لا أعود إلى هذا العمل ، ثم اشتغل بالاعتذار عما مضى ، فقال : { وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين } وحقيقة التوبة تقتضي أمرين : أحدهما : في المستقبل ، وهو العزم على الترك وإليه الإشارة بقوله : { إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم } والثاني : في الماضي وهو الندم على ما مضى وإليه الإشارة بقوله : { وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين } ونختم هذا الكلام بالبحث عن الزلة التي صدرت عن نوح عليه السلام في هذا المقام . فنقول : إن أمة نوح عليه السلام كانوا على ثلاثة أقسام كافر يظهر كفره ومؤمن يعلم إيمانه وجمع من المنافقين ، وقد كان حكم المؤمنين هو النجاة وحكم الكافرين هو الغرق ، وكان ذلك معلوما ، وأما أهل النفاق فبقي حكمهم مخفيا . وكان ابن نوح منهم وكان يجوز فيه كونه مؤمنا ، وكانت الشفقة المفرطة التي تكون من الأب في حق الابن تحمله على حمل أعماله وأفعاله لا على كونه كافرا ، بل على الوجوه الصحيحة ، فلما رآه بمعزل عن القوم طلب منه أن يدخل السفينة فقال : { ساوى إلى جبل يعصمني من الماء } وذلك لا يدل على كفره لجواز أن يكون قد ظن أن الصعود على الجبل يجري مجرى الركوب في السفينة في أنه يصونه عن الغرق ، وقول نوح : { لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم } لا يدل إلا على أنه عليه السلام كان يقرر عند ابنه أنه لا ينفعه إلا الإيمان والعمل الصالح ، وهذا أيضا لا يدل على أنه علم من ابنه أنه كان كافرا فعند هذه الحالة كان قد بقي في قلبه ظن أن ذلك الابن مؤمن ، فطلب من الله تعالى تخليصه بطريق من الطرق . إما بأن يمكنه من الدخول في السفينة ، وإما أن يحفظه على قلة جبل ، فعند ذلك أخبره الله تعالى بأنه منافق وأنه ليس من أهل دينه ، فالزلة الصادرة عن نوح عليه السلام هو أنه لم يستقص في تعريف ما يدل على نفاقه وكفره ، بل اجتهد في ذلك وكان يظن أنه مؤمن ، مع أنه أخطأ في ذلك الاجتهاد ، لأنه كان كافرا فلم يصدر عنه إلا الخطأ في هذا الاجتهاد ، كما قررنا ذلك في أن آدم عليه السلام لم تصدر عنه تلك الزلة إلا لأنه أخطأ في هذا الاجتهاد ، فثبت بما ذكرنا أن الصادر عن نوح عليه السلام ما كان من باب الكبائر وإنما هو من باب الخطأ في الاجتهاد ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.