معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَفَأَصۡفَىٰكُمۡ رَبُّكُم بِٱلۡبَنِينَ وَٱتَّخَذَ مِنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ إِنَٰثًاۚ إِنَّكُمۡ لَتَقُولُونَ قَوۡلًا عَظِيمٗا} (40)

قوله عز وجل : { أفأصفاكم ربكم } ، أي : اختاركم فجعل لكم الصفوة ولنفسه ما ليس بصفوة ، يعني : اختاركم ، { بالبنين واتخذ من الملائكة إناثاً } لأنهم كانوا يقولون الملائكة بنات الله ، { إنكم لتقولون قولاً عظيماً } ، يخاطب مشركي مكة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَفَأَصۡفَىٰكُمۡ رَبُّكُم بِٱلۡبَنِينَ وَٱتَّخَذَ مِنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ إِنَٰثًاۚ إِنَّكُمۡ لَتَقُولُونَ قَوۡلًا عَظِيمٗا} (40)

{ 40 } { أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا }

وهذا إنكار شديد على من زعم أن الله اتخذ من خلقه بنات فقال : { أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ } أي : اختار لكم الصفوة والقسم{[472]}  الكامل واتخذ لنفسه من الملائكة إناثا حيث زعموا أن الملائكة بنات الله .

{ إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا } فيه أعظم الجرأة على الله حيث نسبتم له الولد المتضمن لحاجته واستغناء بعض المخلوقات عنه وحكمتم له بأردأ القسمين ، وهن الإناث وهو الذي خلقكم واصطفاكم بالذكور فتعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا .


[472]:- في ب: النصيب.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَفَأَصۡفَىٰكُمۡ رَبُّكُم بِٱلۡبَنِينَ وَٱتَّخَذَ مِنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ إِنَٰثًاۚ إِنَّكُمۡ لَتَقُولُونَ قَوۡلًا عَظِيمٗا} (40)

يقول تعالى رادًا على المشركين الكاذبين{[17515]} الزاعمين - عليهم لعائن الله - أن الملائكة بناتُ الله ، فجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثًا ، ثم ادّعوا أنهم بنات الله ، ثم عبدوهم فأخطئوا في كل من المقامات الثلاث{[17516]} خطأ عظيمًا ، قال تعالى منكرًا عليهم : { أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ } أي : خصصكم بالذكور { وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثًا } أي : اختار لنفسه على زعمكم البنات ؟ ثم شدد الإنكار عليهم فقال : { إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلا عَظِيمًا } أي : في زعمكم لله ولدًا ، ثم جعْلكم ولده الإناث التي تأنفون{[17517]} أن يَكُنّ لكم ، وربما قتلتموهُن بالوأد ، فتلك إذا قسْمة ضِيزَى . وقال [ الله ]{[17518]} تعالى : { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا* تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا* أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا* وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا* إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا* لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا* وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا } [ مريم : 88 - 95 ] .


[17515]:في ف: "المكذبين".
[17516]:في ت، ف: "الثلاث المقامات".
[17517]:في ت: "تألفون".
[17518]:زيادة من ف.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَفَأَصۡفَىٰكُمۡ رَبُّكُم بِٱلۡبَنِينَ وَٱتَّخَذَ مِنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ إِنَٰثًاۚ إِنَّكُمۡ لَتَقُولُونَ قَوۡلًا عَظِيمٗا} (40)

{ أفأصفاكم ربكم بالبنين } خطاب لمن قالوا الملائكة بنات الله ، والهمزة للإنكار والمعنى : أفخصكم ربكم بأفضل الأولاد هم البنون . { واتخذ من الملائكة إناثاً } بنات لنفسه وهذا خلاف ما عليه عقولكم وعادتكم . { إنكم لتقولون قولا عظيما } بإضافة الأولاد إليه ، وهي خاصة بعض الأجسام لسرعة زوالها ، ثم بتفضيل أنفسكم عليه حيث تجعلون له ما تكرهون ثم يجعل الملائكة الذين هم من أشرف خلق الله أدونهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَفَأَصۡفَىٰكُمۡ رَبُّكُم بِٱلۡبَنِينَ وَٱتَّخَذَ مِنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ إِنَٰثًاۚ إِنَّكُمۡ لَتَقُولُونَ قَوۡلًا عَظِيمٗا} (40)

وقوله { أفأصفاكم } الآية ، خطاب للعرب التي كانت تقول الملائكة بنات الله ، فقررهم الله على هذه الحجة ، أي أنتم أيها البشر لكم الأعلى من النسل ولله الإناث ؟ فلما ظهر هذا التباعد الذي في قولهم عظم الله عليهم فساد ما يقولونه وشنعته ، ومعناه عظيماً في المنكر والوخامة ، و «أصفاكم » معناه جعلكم أصحاب الصفوة ، وحكى الطبري عن قتادة عن بعض أهل العلم أنه قال : نزلت هذه الآية في اليهود لأنهم قالوا هذه المقالة من أن الملائكة بنات الله .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَفَأَصۡفَىٰكُمۡ رَبُّكُم بِٱلۡبَنِينَ وَٱتَّخَذَ مِنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ إِنَٰثًاۚ إِنَّكُمۡ لَتَقُولُونَ قَوۡلًا عَظِيمٗا} (40)

تفريع على مقدر يدل على تقديره المفرع عليه . والتقدير : أفضلكم الله فأعطاكم البنين وجعل لنفسه البنات . ومناسبته لما قبله أن نسبة البنات إلى الله ادعاء آلهة تنتسب إلى الله بالبنوة ، إذ عبد فريق من العرب الملائكَة كما عبدوا الأصنام ، واعتلوا لعبادتهم بأن الملائكة بنات الله تعالى كما حكى عنهم في قوله : { وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمان إناثا } إلى قوله : { وقالوا لو شاء الرحمان ما عبدناهم } [ الزخرف : 19 20 ] . فلما نهوا عن أن يجعلوا مع الله إلهاً آخر خصص بالتحذير عبادة الملائكة لئلا يتوهموا أن عبادة الملائكة ليست كعبادة الأصنام لأن الملائكة بنات الله ليتوهموا أن الله يرضى بأن يعبدوا أبناءه .

وقد جاء إبطال عبادة الملائكة بإبطال أصلها في معتقدهم ، وهو أنهم بنات الله ، فإذا تَبَيّنَ بطلان ذلك علموا أن جعلهم الملائكة آلهة يساوي جعلهم الأصنام آلهة .

فجملة { أفأصفاكم ربكم بالبنين } إلى آخرها متفرعة على جملة { ولا تجعل مع اللَّه إلها آخر } [ الإسراء : 39 ] تفريعاً على النهي كما بيناه باعتبار أن المنهي عنه مشتمل عمومه على هذا النوع الخاص الجدير بتخصيصه بالإنكار وهو شبيه ببدل البعض . فالفاء للتفريع وحقها أن تقع في أول جملتها ولكن أخرها أن للاستفهام الصدر في أسلوب الكلام العربي . وهذا هو الوجه الحسن في موقع حروف العطف مع همزة الاستفهام .

وبعض الأيمة يجعل الاستفهام في مثل هذا استفهاماً على المعطوف والعاطف . والاستفهام إنكار وتهكم .

والإصفاء : جعل الشيء صَفْوا ، أي خَالصاً ، وتعدية أصفى إلى ضمير المخاطبين على طريقة الحذف والإيصال ، وأصله : أفأصفى لكم . وقوله : بالبنين } الباء فيه إما مزيدة لتوكيد لصوق فعل ( أصفى ) بمفعوله . وأصله : أفأصفى لكم ربكم البنين ، كقوله تعالى : { وامسحوا برءوسكم } [ المائدة : 6 ] ؛ أو ضمّن أصفى معنى آثر فتكون الباء للتعدية دالة على معنى الاختصاص بمجرورها ، فصار ( أصفى ) مع متعلقه بمنزلة فعلين ، أي قصر البنين عليكم دونه ، أي جعل لم البنين خالصة لا يساويكم هو بأمثالهم ، وجعل لنفسه الإناث التي تكرهونها . وفساد ذلك ظاهر بأدنى نظر فإذا تبين فساده على هذا الوضع فقد تبين انتفاء وقوعه إذ هو غير لائق بجلال الله تعالى . وقد تقدم هذا عند قوله تعالى : { ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون } في سورة [ النحل : 57 ] . وقوله : { إن يدعون من دونه إلا إناثاً } في [ النساء : 117 ] .

وجملة { إنكم لتقولون قولاً عظيماً } تقرير لمعنى الإنكار وبيان له ، أي تقولون : اتخذ الله الملائكة بنات . وأكد فعل « تقولون » بمصدره تأكيداً لمعنى الإنكار . وجَعْله مجرد قول لأنه لا يعدو أن يكون كلاماً صدر عن غير روية ، لأنه لو تأمله قائله أدنى تأمل لوجده غير داخل تحت قضايا المقبول عقلاً .

والعظيم : القوي . والمراد هنا أنه عظيم في الفساد والبطلاننِ بقرينة سياق الإنكار .

ولا أبلغ في تقبيح قولهم من وصفه بالعظيم ، لأنه قول مدخول من جوانبه لاقتضائه إيثار الله بأدْوَن صنفي البنوة مع تخويلهم الصنف الأشرف . ثم ما يقتضيه ذلك من نسبته خصائص الأجسام لله تعالى من تركيب وتولد واحتياج إلى الأبناء للإعانة وليخلُفوا الأصل بعد زواله ، فأي فساد أعظم من هذا .

وفي قوله : { اتخذ } إيماء إلى فساد آخر ، وهو أنهم يقولون : { اتخذ الله ولداً } [ البقرة : 116 ] . والاتخاذ يقتضي أنه خَلقه ليتخذه ، وذلك ينافي التولد فكيف يلتئم ذلك مع قوله : الملائكة بنات الله من سروات الجن ، وكيف يخلق الشيء ثم يكون ابناً له فذلك في البطلان ضغث على إبّالة .