مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{أَفَأَصۡفَىٰكُمۡ رَبُّكُم بِٱلۡبَنِينَ وَٱتَّخَذَ مِنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ إِنَٰثًاۚ إِنَّكُمۡ لَتَقُولُونَ قَوۡلًا عَظِيمٗا} (40)

وأما قوله : { أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا } فاعلم أنه تعالى لما نبه على فساد طريقة من أثبت لله شريكا ونظيرا نبه على طريقة من أثبت له الولد وعلى كمال جهل هذه الفرقة ، وهي أنهم اعتقدوا أن الولد قسمان ؛ فأشرف القسمين البنون ، وأخسهما البنات . ثم إنهم أثبتوا البنين لأنفسهم مع علمهم بنهاية عجزهم ونقصهم وأثبتوا البنات لله مع علمهم بأن الله تعالى هو الموصوف بالكمال الذي لا نهاية له والجلال الذي لا غاية له ، وذلك يدل على نهاية جهل القائل بهذا القول ونظيره قوله تعالى : { أم له البنات ولكم البنون } وقوله : { ألكم الذكر وله الأنثى } وقوله : { أفأصفاكم } يقال أصفاه بالشيء إذا آثر به ، ويقال للضياع التي يستخصها السلطان بخاصية الصوافي . قال أبو عبيدة في قوله : { أفأصفاكم } أفخصكم ، وقال المفضل : أخلصكم . قال النحويون هذه الهمزة همزة تدل على الإنكار على صيغة السؤال عن مذهب ظاهر الفساد لا جواب لصاحبه إلا بما فيه أعظم الفضيحة .

ثم قال تعالى : { إنكم لتقولون قولا عظيما } وبيان هذا التعظيم من وجهين : الأول : أن إثبات الولد يقتضي كونه تعالى مركبا من الأجزاء والأبعاض ، وذلك يقدح في كونه قديما واجب الوجود لذاته . وذلك عظيم من القول ومنكر من الكلام . والثاني : أن بتقدير ثبوت الولد فقد جعلتم أشرف القسمين لأنفسكم وأخس القسمين لله . وهذا أيضا جهل عظيم .