قوله تعالى : { فما كان دعواهم } ، أي : قولهم ودعاؤهم ، وتضرعهم ، والدعوى تكون بمعنى الادعاء وبمعنى الدعاء ، قال سيبويه : تقول العرب : اللهم أشركنا في صالح دعوى المسلمين أي في دعائهم .
قوله تعالى : { إذ جاءهم بأسنا } ، عذابنا .
قوله تعالى : إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين } ، معناه لم يقدروا على رد العذاب ، وكان حاصل أمرهم الاعتراف بالجناية حين لا ينفع الاعتراف .
{ فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } كما قال تعالى : { وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ }
وقوله : { فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } أي : فما كان قولهم عند مجيء العذاب إلا أن اعترفوا بذنوبهم ، وأنهم حقيقون بهذا . كما قال تعالى : { وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً [ وَأَنْشَأَْ بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ . قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا ] خَامِدِين }{[11549]} [ الأنبياء : 11 - 15 ] .
وقال ابن جرير : في هذه الآية الدلالة الواضحة على صحة ما جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : " ما هلك قوم حتى يُعْذِروا من أنفسهم " ، حدثنا بذلك ابن حُمَيْد ، حدثنا جرير ، عن أبي سِنان ، عن عبد الملك بن مَيْسَرة الزرّاد قال : قال عبد الله بن مسعود [ رضي الله عنه ]{[11550]} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما هلك قوم حتى يُعْذِروا من أنفسهم " . قال : قلت لعبد الملك : كيف يكون ذاك ؟ قال : فقرأ هذه الآية : { فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ }{[11551]} .
وقوله تعالى : { فما كان دعواهم } الآية ، تبين في هذه الآية غاية البيان أن المراد في الآية قبلها أهل القرى ، والدعوى في كلام العرب لمعنيين ، أحدهما الدعاء قال الخليل : تقول اللهم أشركنا في صالح دعوى المسلمين ومنه قوله عز وجل : { فما زالت تلك دعواهم } .
وإن مَذِلَتْ رجلي دعوتك أشتفي*** بدعواك من مذل بها فيهونُ
والثاني الادعاء ، فقال الطبري : هي في هذا الموضع بعنى الدعاء .
قال القاضي أبو محمد : ويتوجه أن يكون أيضاً بمعنى الادعاء ، لأن من ناله مكروه أو حزبه حادث فمن شأنه أن يدعو كما ذهب إليه المفسرون في فعل هؤلاء المذكورين في هذه الآية ، ومن شأنه أيضاً أن يدعي معاذير وأشياء تحسن حاله وتقيم حجته في زعمه ، فيتجه أن يكون هؤلاء بحال من يدعي معاذير ونحوها ، فأخبر الله عنهم أنهم لم تكن لهم دعوى ثم استثنى من غير الأول ، كأنه قال لم يكن دعاء أو ادعاء إلا الإقرار والاعتراف ، أي هذا كان بدل الدعاء أو الادعاء ، وتحتمل الآية أن يكون المعنى فما آلت دعواهم التي كانت في حال كفرهم إلا إلى اعتراف ، ونحو من الآية قول الشاعر : [ الفرزدق ]
وقد شهدت قيس فما كان نصرها*** قتيبة إلا عضها بالأباهم
واعترافهم وقولهم { إنا كنا ظالمين } هو في المدة بين ظهور العذاب إلى إتيانه على أنفسهم ، وفي ذلك مهلة بحسب نوع العذاب تتسع لهذه المقالة وغيرها ، وروى ابن مسعود عن النبي عليه السلام أنه قال «ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم » . وفسر عبد الملك بن ميسرة هذا الحديث بهذه الآية . و { دعواهم } خبر كان ، واسمها { إلا أن قالوا } وقيل بالعكس .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.