قوله تعالى : { ولوطاً آتيناه } يعني : وآتينا لوطاً ، وقيل : واذكر لوطاً آتيناه { حكماً } يعني : الفصل بين الخصوم بالحق { وعلماً ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث } يعني : سدوماً . وكان أهلها يأتون الذكران في أدبارهم ويتضارطون في أنديتهم مع أشياء أخر ، كانوا يعملون من المنكرات . { إنهم كانوا قوم سوء فاسقين* }
{ 74 - 75 ْ } { وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ْ }
هذا ثناء من الله على رسوله ( لوط ) عليه السلام بالعلم الشرعي ، والحكم بين الناس ، بالصواب والسداد ، وأن الله أرسله إلى قومه ، يدعوهم إلى عبادة الله ، وينهاهم عما هم عليه من الفواحش ، فلبث يدعوهم ، فلم يستجيبوا له ، فقلب الله عليهم ديارهم وعذبهم عن آخرهم لأنهم { قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ ْ } كذبوا الداعي ، وتوعدوه بالإخراج ، ونجى الله لوطا وأهله ، فأمره أن يسري بهم ليلا ، ليبعدوا عن القرية ، فسروا ونجوا ، من فضل الله عليهم ومنته .
ثم عطف بذكر لوط - وهو لوط بن هاران بن آزر - كان قد آمن بإبراهيم ، واتبعه ، وهاجر معه ، كما قال تعالى : { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي } [ العنكبوت : 26 ] ، فآتاه الله حكمًا وعلمًا ، وأوحى إليه ، وجعله نبيًا ، وبعثه إلى سَدُومَ وأعمالها ، فخالفوه وكذبوه ، فأهلكهم الله ودَمَّر عليهم ، كما قص خبرهم في غير موضع من كتابه العزيز ؛ ولهذا قال : { وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ } .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الّتِي كَانَت تّعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ } .
يقول تعالى ذكره : وآتينا لوطا حُكْما وهو فصل القضاء بين الخصوم ، وعِلْما يقول : وآتيناه أيضا علما بأمر دينه ، وما يجب عليه لله من فرائضه .
وفي نصب «لوط » وجهان : ( أحدهما ) أن ينصب لتعلق الواو بالفعل كما قلنا : وآتينا لوطا والاَخر بمضمر بمعنى : واذكر لوطا .
وقوله : ونَجّيْناهُ مِنَ القَرْيَةِ التي كانَتْ تَعْمَلُ الخَبائِثَ يقول : ونجيناه من عذابنا الذي أحللناه بأهل القرية التي كانت تعمل الخبائث ، وهي قرية سَدُوم التي كان لوط بعث إلى أهلها . وكانت الخبائث التي يعملونها : إتيانَ الذكران في أدبارهم ، وخَذْفهم الناس ، وتضارطهم في أنديتهم ، مع أشياء أُخَر كانوا يعملونها من المُنكر ، فأخرجه الله حين أراد إهلاكهم إلى الشام . كما :
حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : أخرجهم الله ، يعني لوطا وابنتيه زيثا وزعرثا إلى الشام حين أراد إهلاك قومه .
وقوله : إنّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ مخالفين أمر الله ، خارجين عن طاعته وما يَرْضَى من العمل .
عطف على جملة { ولقد آتينا إبراهيم رشده } [ الأنبياء : 51 ] . وقدّم مفعول { آتيناه } اهتماماً به لينبه على أنه محل العناية إذ كان قد تأخر ذكر قصته بعد أن جرى ذكره تبعاً لذكر إبراهيم تنبيهاً على أنه بعث بشريعة خاصة ، وإلى قوم غير القوم الذين بعث إليهم إبراهيم ، وإلى أنه كان في مواطنَ غير المواطن التي حلّ فيها إبراهيم ، بخلاف إسحاق ويعقوب في ذلك كله .
ولأجل البُعد أُعيد فعل الإيتاء ليظهر عطفه على { آتينا إبراهيم رشده } [ الأنبياء : 51 ] ، ولم يُعَد في قصة نوح عَقِب هذه .
وأعقبت قصة إبراهيم بقصة لوط للمناسبة . وخص لوط بالذكر من بين الرسل لأن أحواله تابعة لأحوال إبراهيم في مقاومة أهل الشرك والفساد . وإنما لم يذكر ما هم عليه قوم لوط من الشرك استغناء بذكر الفواحش الفظيعة التي كانت لهم سنة فإنها أثر من الشرك .
والحُكم : الحكمة ، وهو النبوءة ، قال تعالى : { وآتيناه الحكم صبياً } [ مريم : 12 ]
والعِلم : علم الشريعة ، والتنوين فيها للتعظيم .
والقرية ( سدوم ) . وقد تقدم ذكر ذلك في سورة هود والمراد من القرية أهلها كما مر في قوله تعالى : { واسأل القرية } في [ سورة يوسف : 82 ] .
والخبائث : جمع خبيثة بتأويل الفَعلة ، أي الشنيعة . والسّوْء بفتح السين وسكون الواو مصدر ، أي القبيح المكروه . وأما بضم السين فهو اسم مصدر لما ذكر وهو أعم من المفتوح لأن الوصف بالاسم أضعف من الوصف بالمصدر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.