فلما أقسم تعالى على رسالته وأقام الأدلة عليها ، ذكر شدة الحاجة إليها واقتضاء الضرورة لها فقال : { لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ } وهم العرب الأميون ، الذين لم يزالوا خالين من الكتب ، عادمين الرسل ، قد عمتهم الجهالة ، وغمرتهم الضلالة ، وأضحكوا عليهم وعلى سفههم عقول العالمين ، فأرسل اللّه إليهم رسولا من أنفسهم ، يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ، فينذر العرب الأميين ، ومن لحق بهم من كل أمي ، ويذكر أهل الكتب بما عندهم من الكتب ، فنعمة اللّه به على العرب خصوصا ، وعلى غيرهم عموما .
وقوله تعالى : { لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ } يعني بهم : العرب ؛ فإنه ما أتاهم من نذير من قبله . وذكرهم وحدهم لا ينفي مَنْ عداهم [ كما زعمه بعض النصارى ]{[24663]} ، كما أن ذكر بعض الأفراد لا ينفي العموم . وقد تقدم ذكر الآيات والأحاديث المتواترة في عموم بعثته ، صلوات الله وسلامه عليه ، عند قوله تعالى : { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } [ الأعراف : 158 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : { لِتُنذِرَ قَوْماً مّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ * لَقَدْ حَقّ الْقَوْلُ عَلَىَ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ } .
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : لِتُنْذِرَ قَوْما ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فقال بعضهم : معناه : لتنذر قوما ما أنذر الله من قبلهم من آبائهم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شُعْبة ، عن سِماك ، عن عكرمة في هذه الاَية : لِتُنْذِرَ قَوْما ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ قال : قد أنذروا .
وقال آخرون : بل معنى ذلك لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة لِتُنْذِرَ قَوْما ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ قال بعضهم : لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم من إنذار الناس قبلهم . وقال بعضهم : لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم : أي هذه الأمة لم يأتهم نذير ، حتى جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم .
واختلف أهل العربية في معنى «ما » التي في قوله : ما أُنْذرَ آباؤُهُمْ إذا وُجّه معنى الكلام إلى أن آباءهم قد كانوا أنذروا ، ولم يُرد بها الجحد ، فقال بعض نحويّي البصرة : معنى ذلك : إذا أريد به غير الجحد لتنذرهم الذي أُنذر آباؤهم فَهُمْ غافِلُونَ . وقال : فدخول الفاء في هذا المعنى لا يجوز ، والله أعلم . قال : وهو على الجحد أحسن ، فيكون معنى الكلام : إنك لمن المرسلين إلى قوم لم ينذر آباؤهم ، لأنهم كانوا في الفترة .
وقال بعض نحويّي الكوفة : إذا لم يرد بما الجحد ، فإن معنى الكلام : لتنذرهم بما أنذر آباؤهم ، فتلقى الباء ، فتكون «ما » في موضع نصب فَهُمْ غافِلُونَ يقول : فهم غافلون عما الله فاعل : بأعدائه المشركين به ، من إحلال نقمته ، وسطوته بهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.