قال تعالى مبينا{[1196]} ما وقع : { كَذَلِكَ الْعَذَابُ } [ أي : ] الدنيوي لمن أتى بأسباب العذاب أن يسلب الله العبد الشيء الذي طغى به وبغى ، وآثر الحياة الدنيا ، وأن يزيله عنه ، أحوج ما يكون إليه .
{ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ } من عذاب الدنيا { لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } فإن من علم ذلك ، أوجب له الانزجار عن كل سبب يوجب العذاب ويحل العقاب{[1197]}
قال الله تعالى : { كَذَلِكَ الْعَذَابُ } أي : هكذا عذاب من خالف أمر الله ، وبخل بما آتاه الله وأنعم به عليه ، ومنع حق المسكين والفقراء{[29197]} وذوي الحاجات ، وبدل نعمة الله كفرا { وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } أي : هذه عقوبة الدنيا كما سمعتم ، وعذاب الآخرة أشق . وقد ورد في حديث رواه الحافظ البيهقي من طريق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، عن أبيه ، عن جده ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الجداد{[29198]} بالليل ، والحصاد بالليل{[29199]} .
رجوع إلى تهديد المشركين المبدوء من قوله : { إنا بلوناهم } [ القلم : 17 ] ، فالكلام فذلكة وخلاصة لما قبله وهو استئناف ابتدائي .
والمشار إليه باسم الإشارة هو ما تضمنته القصة من تلف جنتهم وما أحسوا به عند رؤيتها على تلك الحالة ، وتندمهم وحسرتهم ، أي مثل ذلك المذكور يَكون العذاب في الدنيا ، فقوله : { كذلك } مسند مقدم و { العذاب } مسند إليه ، وتقديم المسند للاهتمام بإحضار صورته في ذهن السامع .
والتعريف في { العذاب } تعريف الجنس وفيه توجيه بالعهد الذهني ، أي عذابكم الموعد مثل عذاب أولئك والمماثلة في إتلاف الأرزاق والإِصابة بقطع الثمرات .
وليس التشبيه في قوله : { كذلك العذاب } مثل التشبيه في قوله : { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً } [ البقرة : 143 ] ، ونحوه ما تقدم في سورة البقرة بل ما هنا من قبيل التشبيه المتعارف لوجود ما يصلح لأن يكون مشبهاً به العذابُ وهو كون المشبه به غير المشبه ، ونظيره قوله تعالى : { وكذلك أخْذُ ربّك إذا أخَذَ القرى وهي ظالمة } [ هود : 102 ] بخلاف ما في سورة البقرة فإن المشبه به هو عين المشبه لقصد المبالغة في بلوغ المشبه غاية ما يكون فيه وجه الشبه بحيث إذا أريد تشبيهه لا يلجأ إلاّ إلى تشبيهه بنفسه فيكون كناية عن بلوغه أقصى مراتب وجه الشبه .
والمماثلةُ بين المشبه والمشبه به مماثلة في النوع وإلاّ فإن ما تُوعدوا به من القحط أشد مما أصاب أصحاب الجنة وأطولُ .
وقوله { ولعذاب الآخرة أكبر } دال على أن المراد بقوله : { كذلك العذاب } عذاب الدنيا .
وضمير { لو كانوا يعلمون } عائد إلى ما عاد إليه ضمير الغائب في قوله : { بلوناهم } [ القلم : 17 ] ، وهم المشركون فإنهم كانوا ينكرون عذاب الآخرة فهددوا بعذاب الدنيا ، ولا يصح عوده إلى { أصحاب الجنة } [ القلم : 17 ] لأنهم كانوا مؤمنين بعذاب الآخرة وشدته .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.