اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{كَذَٰلِكَ ٱلۡعَذَابُۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَكۡبَرُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (33)

قوله : { كَذَلِكَ العذاب } . مبتدأ وخبره مقدم ، أي : مثل ذلك العذاب عذاب الدنيا وأما عذاب الآخرة فأكبر منه { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } .

قال ابنُ زيدٍ : «كذَلكَ العَذابُ » أي : عذاب الدنيا وهلاك الأموال{[57648]} .

وقيل : هذا وعظٌ لأهل مكة بالرجوعِ إلى اللَّه لما ابتلاهم بالجدب لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم أي : كفعلنا بهم نفعل بمن تعدى حدودنا في الدنيا { وَلَعَذَابُ الآخرة أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } .

قال ابنُ عباسٍ : هذا مثل لأهل مكة حين خرجوا إلى بدر ، وحلفوا ليقتلنَّ محمداً ، وأصحابه ، وليرجعوا إلى أهل مكة ، حتى يطوفوا بالبيت ، ويشربوا الخمر ، وتضرب القيانُ على رءوسهم ، فأخلف الله ظنهم ، وقتلوا وأسروا وانهزموا كأهل هذه الجنة لما خرجوا عازمين على الصرم ، فخابوا{[57649]} .

فصل في العبرة من هذه الآية بضرب المثل

قال ابن الخطيب{[57650]} : قوله تعالى { أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تتلى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأولين } ، والمعنى : لأجل أن أعطاه الله المال والبنين كفر بالله ، كلا ، بل الله تعالى إنما أعطاه ذلك للابتلاء ، فإذا صرفه إلى الكفر دمر الله عليه ، بدليل أن أصحاب الجنة لما أتوا بهذه المعصيةِ اليسيرةِ دمر الله جنتهم ، فكيف حال من عاند الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأصرَّ على الكفر والمعصيةِ .

فصل في بيان هل كان الحق واجباً عليهم أم لا ؟

قيل : إن الحق الذي منعه أهل الجنَّة المساكين كان واجباً عليهم ، ويحتمل أنه كان تطوعاً ، والأول أظهر .

وقيل : السورة مكية ، فبعد حمل الآية على ما أصاب أهل مكة من القحطِ ، وعلى قتال بدر .


[57648]:ينظر المصدر السابق.
[57649]:ينظر: المصدر السابق.
[57650]:ينظر: الفخر الرازي (30/80).