ثم قال : { فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ } أي : إِنما هو أمر واحد من الله عز وجل ، يدعوهم دعوة واحدة أن يخرجوا من الأرض ، فإذا هم [ قيام ]{[24924]} بين يديه ، ينظرون إلى أهوال يوم القيامة .
والزجرة : الصيحة ، وقد تقدم آنفاً قوله تعالى : { فالزاجرات زجراً } [ الصافات : 2 ] .
و { واحِدةٌ } تأكيد لما تفيده صيغة الفعلة من معنى المرة لدفع توهم أن يكون المراد من الصيحة الجنس دون الوجود لأن وزن الفعلة يجيء لمعنى المصدر دون المرة . وضمير { هِيَ } ضمير القصة والشأن وهو لا معادَ لهُ إنما تفسره الجملة التي بعده . وفُرّع عليه { فإذا هم ينظرون } ودل فاء التفريع على تعقيب المفاجأة ، ودل حرف المفاجأة على سرعة حصول ذلك . وقد تقدم ذلك في قوله تعالى : { إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون } في سورة [ يس : 53 ] .
وكُني عن الحياة الكاملة التي لا دهش يخالطها بالنظر في قوله : { يَنْظُرُونَ } لأن النظر لا يكون إلا مع تمام الحياة . وأوثر النظر من بين بقية الحواس لمزيد اختصاصه بالمقام وهو التعريض بما اعْتراهم من البهت لمشاهدة الحشر .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{فإنما هي زجرة واحدة} صيحة واحدة من إسرافيل لا مثنوية لها.
{فإذا هم ينظرون} إلى البعث الذي كذبوا به...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"فإنّما هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فإذَا هُمْ يَنْظُرُونَ" يقول تعالى ذكره: فإنما هي صيحة واحدة، وذلك هو النفخ في الصور.
"فإذَا هُمْ يَنْظُرُونَ "يقول: فإذا هم شاخصة أبصارهم ينظرون إلى ما كانوا يوعدونه من قيام الساعة ويعاينونه.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
جائز أن يكون قوله: {زجرة واحدة} إخبارا عن خفّة ذلك عليه وهونه من غير أن جعل الزجرة سبب الإحياء أو سببا من ذلك.
يحتمل قوله: {ينظرون} إلى ماذا يُؤمرون؟ وعن ماذا يُنهَون؟ لأن الذي أصابهم في الآخرة، إنما كان لتركهم الأمر في الدنيا، فإذا عاينوا ما كانوا يوعدون في الدنيا بتركهم الأمر به، ينظرون إلى ماذا يؤمرون، وينهون عنه؟ ينظرون نظر المتحيّز الضّجِر.
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
سميت الصيحة زجرة لأن مقصودها الزجر.
{فإذا هم ينظرون} يحتمل ثلاثة أوجه:
الثالث: ينتظرون حلول العذاب بهم، ويكون النظر بمعنى الانتظار.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
الزجرة: الصرفة عن الشيء بالمخافة، فكأنهم زجروا عن الحال التي هم عليها إلى المصير إلى الموقف للجزاء والحساب.
الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي 875 هـ :
قال العِرَاقِيُّ: الزَّجْرَةُ: الصَّيْحَةُ بانتهار.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
أصل الزجر الانتهار ويكون لحث أو منع، وإنما يكون ذلك للمقدور عليه فعل ما يغضب الزاجر، فلذلك سمى الصيحة زجرة.
ولما كان هذا الكلام مؤذناً بالغضب، حققه بصرف الكلام عن خطابهم جعلاً لهم بمحل البعد وتعميماً لغيرهم، فقال معبراً بالفاء المسببة المعقبة وأداة المفاجأة:
{فإذا هم} أي جميع الأموات بضمائرهم وظواهرهم القديم منهم والحديث أحياء.
{ينظرون} أي في الحال من غير مهلة أصلاً.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
هكذا في ومضة خاطفة بمقدار ما تنبعث صيحة واحدة، تسمى (زجرة) للدلالة على لون من الشدة فيها، والعنف في توجيهها، والاستعلاء في مصدرها.. (فإذا هم ينظرون)..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{واحِدةٌ} تأكيد لما تفيده صيغة الفعلة من معنى المرة؛ لدفع توهم أن يكون المراد من الصيحة الجنس دون الوجود؛ لأن وزن الفعلة يجيء لمعنى المصدر دون المرة. وكُني عن الحياة الكاملة التي لا دهش يخالطها بالنظر في قوله: {يَنْظُرُونَ}؛ لأن النظر لا يكون إلا مع تمام الحياة، وأوثر النظر من بين بقية الحواس لمزيد اختصاصه بالمقام، وهو التعريض بما اعْتراهم من البهت لمشاهدة الحشر.
قوله تعالى {فَإِنَّمَا هِيَ} أي: مسألة البعث {زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ} صيحة واحدة، أو نفخة واحدة كافية لأن تُخرِجهم من قبورهم {فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ} لا أننا سنذهب إلى كل واحد منهم ونوقظه... إذن: البعث الذي تكذِّبون به أمرُه يسير علينا، ولا يُكلِّفنا شيئاً.
والصيحة في ذاتها لا تبعث الموتى، إنما هي مجرد إذْنٍ للملَك، بأن يباشر مهمته، فهي مثل الجرس الذي يُبْدأ به العمل، فبعد الزَّجْرة {فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ} هكذا مباشرة؛ لأن إذا هنا تدل على المفاجأة، فالأمر لن يستغرق وقتاً، وأول ما يقومون من القبور ينظرون أي: هنا وهناك؛ لأنهم سيروْنَ أمراً عجيباً لا عَهْدَ لهم به، وسيُفاجئهم ما كانوا يُكذِّبون به في الدنيا.