هنا يجيئهما الرد الحاسم الذي لا خوف بعده ، ولا خشية معه :
{ قال : لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى } . .
إنني معكما . . إنه القوي الجبار الكبير المتعال . إنه الله القاهر فوق عباده . إنه موجد الأكوان والحيوات والأفراد والأشياء بقولة : كن .
ولا زيادة . . إنه معهما . . وكان هذا الإجمال يكفي . ولكنه يزيدهما طمأنينة ، ولمسا بالحس للمعونة : { أسمع وأرى . . } فما يكون فرعون وما يملك وما يصنع حين يفرط أو يطغى ؟ والله معهما يسمع ويرى ؟
{ قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى } أي : لا تخافا منه ، فإنني معكما أسمع كلامكما وكلامه ، وأرى مكانكما ومكانه ، لا يخفى عليّ من أمركم شيء ، واعلما أن ناصيته بيدي ، فلا يتكلم ولا يتنفس ولا يبطش إلا بإذني وبعد أمري ، وأنا معكما بحفظي ونصري وتأييدي .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا علي بن محمد الطَّنَافِسيّ ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مُرَّة ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله قال : لما بعث اللهُ عزّ وجل موسى إلى فرعون قال : رب ، أيّ شيء أقول ؟ قال قل : هيا شراهيا . قال الأعمش : فَسَّرَ ذلك : الحي قبل كل شيء ، والحي بعد كل شيء .
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ لاَ تَخَافَآ إِنّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىَ * فَأْتِيَاهُ فَقُولآ إِنّا رَسُولاَ رَبّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيَ إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مّن رّبّكَ وَالسّلاَمُ عَلَىَ مَنِ اتّبَعَ الْهُدَىَ } .
يقول الله تعالى ذكره : قال الله لموسى وهارون : لا تَخافا فرعون إنّنِي مَعَكُما أعينكما عليه ، وأبصركما أسمَعُ ما يجري بينكما وبينه ، فأفهمكما ما تحاورانه به وأرَى ما تفعلان ويفعل ، لا يخفى عليّ من ذلك شيء ف " َأْتِياهُ فَقُولا له إنّا رَسُولا رَبّكَ " . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج " قالَ لا تَخافا إنّنِي مَعَكُما أسَمَعُ وأرَى " ما يحاوركما ، فأوحي إليكما فتجاوبانه .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول الله تعالى ذكره: قال الله لموسى وهارون:"لا تَخافا" فرعون "إنّنِي مَعَكُما "أعينكما عليه، وأبصركما، "أسمَعُ" ما يجري بينكما وبينه، فأفهمكما ما تحاورانه به، "وأرَى" ما تفعلان ويفعل، لا يخفى عليّ من ذلك شيء "فَأْتِياهُ فَقُولا له إنّا رَسُولا رَبّكَ".
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{مَعَكُمَا} أي حافظكما وناصركما {أَسْمَعُ وأرى} ما يجري بينكما وبينه من قول وفعل، فأفعل ما يوجبه حفظي ونصرتي لكما، فجائز أن يقدّر أقوالكم وأفعالكم، وجائز أن لا يقدّر شيء، وكأنه قيل: أنا حافظ لكما وناصر سامع مبصر. وإذا كان الحافظ والناصر كذلك، تمّ الحفظ وصحت النصرة، وذهبت المبالاة بالعدوّ.
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
قال العلماء: لما لحقهما ما يلحق البشر من الخوف على أنفسهما عرفهما الله سبحانه أن فرعون لا يصل إليهما ولا قومه...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
أي: لا تخافا منه، فإنني معكما أسمع كلامكما وكلامه، وأرى مكانكما ومكانه، لا يخفى عليّ من أمركم شيء، واعلما أن ناصيته بيدي، فلا يتكلم ولا يتنفس ولا يبطش إلا بإذني وبعد أمري، وأنا معكما بحفظي ونصري وتأييدي.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{قال لا تخافا} ثم علل ذلك بما هو مناط النصرة والحيطة للولي والإهلاك للعدو، فقال مؤكداً إشارة إلى عظم الخبر، وتنبيهاً لمضمونه لأنه خارج عن العوائد وأثبت النون الثالثة على وزان تأكيدهما: {إنني معكما} لا أغيب كما تغيب الملوك إذا أرسلوا رسلهم {أسمع وأرى} أي لي هاتان الصفتان، لا يخفى عليَّ شيء من حال رسولي ولا حال عدوه، وأنتما تعلمان من قدرتي ما لا يعلمه غيركما.
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
والخلاصة: لست بغافل عنكما، وإني سأفعل ما يؤدي إلى حفظكما ونصركما عليه، فلا تأبها به، ولا تهتما لأمره.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
هنا يجيئهما الرد الحاسم الذي لا خوف بعده، ولا خشية معه: {قال: لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى}.. إنني معكما.. إنه القوي الجبار الكبير المتعال. إنه الله القاهر فوق عباده. إنه موجد الأكوان والحيوات والأفراد والأشياء بقولة: كن. ولا زيادة.. إنه معهما.. وكان هذا الإجمال يكفي. ولكنه يزيدهما طمأنينة، ولمسا بالحس للمعونة: {أسمع وأرى..} فما يكون فرعون وما يملك وما يصنع حين يفرط أو يطغى؟ والله معهما يسمع ويرى؟
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
خاطبهما الله تعالى بعزته وجلاله مشيرا إلى أنهما في حمايته وكلاءته، وأنه يسمع ويبصر، فكيف يكون نهى عن الخوف، والنهي عن الخوف كيف يكون وهو فزع من الأمر المخوف إذ هو أمر نفسي لا يقع تحت قبضة الخائف؟ ونقول في الجواب عن ذلك: إن المراد الأمر بالاطمئنان وقرار النفس، وأن يشعرا بجلال الله تعالى، وأنه معهما، ولذلك أعقب سبحانه وتعالى النهي عن الخوف بأنهما في معية الله تعالى فقال: {إنني معكما أسمع وأرى} أي إنني في صحبتكما أسمع قوله إذا هدد وأنذر، وأبصر فعله إن حاول سوءا أو أنزل بكما أذى، وإن هذا تبشير بأنه إن حاول أن يبطش بهما نزلت به البطشة الكبرى من رب العالمين. ولقد كان من موجبات الفطرة أن يعتريها الخوف، فقد كان جبارا في الأرض ليس فوقه في قومه من يرد كيده، ويزيل طغيانه.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
ونلاحظ في هذه الآية نقاط الضعف البشري التي يعيشها النبي والتي تتحرك في شخصيته بشكل طبيعي، حتى في مقام حمل الرسالة، فيتدخل اللطف الإلهي من أجل أن يمنحه القوة الروحية التي تفتح قلبه بعمق على التأييد الإلهي في أوقات الشدة، الأمر الذي يعطي الفكرة بأن النبي يتكامل في وعيه وقوته وحركته في الرسالة. {قَالَ لاَ تَخَافَآ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَى} فإنكما لا تحملان رسالة عادية تبلغانها بالطرق العادية المألوفة لتواجها الموقف بهذه الطريقة، بل إنكما تحملان رسالة الله الذي يملك الأمر كله، ويحيط بالموقف كله، فلا يعجزه شيء، ولا يغيب عنه شيء. فلا تتعاملا مع المسألة من زاوية المعطى المادي فقط، بل انظرا إلى إيمانكما في العمق لتنفتحا على الله سبحانه في حضوره الشامل الذي يوحي بالثقة والاطمئنان إليه، ولا تكترثا للقوة البشرية الطاغية مهما علا شأنها. لا تخافا من فرعون وجبروته لأنكما تؤمنان بالله، وتحملان رسالته، وتعيشان رعايته وعنايته، فأنتما مستندان إلى قوة الله، فلا تخافا إنني معكما، كأقوى ما يكون الحضور، أسمع وأرى، كأفضل ما يكون السماع الذي لا يغيب عنه شيء، وكأوضح ما تكون الرؤية التي لن يحجبها شيء.