إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قَالَ لَا تَخَافَآۖ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسۡمَعُ وَأَرَىٰ} (46)

{ قَالَ } استئنافٌ مبني على السؤال الناشئ من النظم الكريم ، ولعل الفعلَ إسنادٌ إلى ضمير الغَيبة للإشعار بانتقال الكلامِ من مَساق إلى مساقٍ آخرَ ، فإن ما قبله من الأفعال الواردةِ على صيغة التكلم حكايةٌ لموسى عليه السلام بخلاف ما سيأتي من قوله تعالى : { قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأعلى } فإن ما قبله أيضاً واردٌ بطريق الحكاية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، كأنه قيل : فماذا قال لهما ربُّهما عند تضرُّعِهما إليه ؟ فقيل : قال : { لاَ تَخَافَا إنني معكما أسمع وأرى } . { لاَ تَخَافَا } ما توهمتما من الأمرين وقوله تعالى : { إِنَّنِي مَعَكُمَا } تعليلٌ لموجب النهي ومزيدُ تسليةٍ لهما ، والمرادُ بالمعية كمالُ الحفظ والنُّصرة كما ينبئ عنه قوله تعالى : { أَسْمَعُ وأرى } أي ما يجري بينكما وبينه من قول وفعلٍ فأفعلُ في كل حال ما يليق بها من دفع ضُرّ وشر وجلب نفعٍ وخير . ويجوز أن لا يُقدَّر شيءٌ ، على معنى أنني حافظُكما سميعاً بصيراً والحافظ الناصرُ إذا كان كذلك فقد تم وبلغت النُّصرةُ غايتها .