قوله تعالى : { أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها } فلا تفهم مواعظ القرآن وأحكامه ، و " أم " بمعنى " بل " .
أخبرنا أحمد بن إبراهيم ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنبأنا عقيل بن محمد ، أنبأنا المعافى بن زكريا ، أنبأنا محمد بن جرير ، حدثنا بشر ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا هشام ابن عروة عن أبي قال : " تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها } فقال شاب من أهل اليمن : بل على قلوب أقفالها حتى يكون الله يفتحها أو يفرجها ، فما زال الشاب في نفس عمر حتى ولي فاستعان به " .
{ 24 } { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا }
أي : فهلا يتدبر هؤلاء المعرضون لكتاب الله ، ويتأملونه حق التأمل ، فإنهم لو تدبروه ، لدلهم على كل خير ، ولحذرهم من كل شر ، ولملأ قلوبهم من الإيمان ، وأفئدتهم من الإيقان ، ولأوصلهم إلى المطالب العالية ، والمواهب الغالية ، ولبين لهم الطريق الموصلة إلى الله ، وإلى جنته ومكملاتها ومفسداتها ، والطريق الموصلة إلى العذاب ، وبأي شيء تحذر ، ولعرفهم بربهم ، وأسمائه وصفاته وإحسانه ، ولشوقهم إلى الثواب الجزيل ، ورهبهم من العقاب الوبيل .
{ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } أي : قد أغلق على ما فيها من الشر وأقفلت ، فلا يدخلها خير أبدا ؟ هذا هو الواقع .
ويتسائل في استنكار : ( أفلا يتدبرون القرآن ) . . وتدبر القرآن يزيل الغشاوة ، ويفتح النوافذ ، ويسكب النور ، ويحرك المشاعر ، ويستجيش القلوب ، ويخلص الضمير . وينشيء حياة للروح تنبض بها وتشرق وتستنير ، ( أم على قلوب أقفالها ? )فهي تحول بينها وبين القرآن وبينها وبين النور ? فإن استغلاق قلوبهم كاستغلاق الأقفال التي لا تسمح بالهواء والنور !
يقول تعالى آمرًا بتدبر القرآن وتفهمه ، وناهيا عن الإعراض عنه ، فقال : { أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } أي : بل على قلوب أقفالها ، فهي مُطْبَقَة لا يخلص إليها شيء من معانيه .
قال ابن جرير : حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد قال : حدثنا{[26710]} حماد بن زيد ، حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما : { أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } ، فقال شاب من أهل اليمن : بل عليها {[26711]} أقفالها حتى يكون الله عز وجل يفتحها أو يفرجها . فما زال الشاب في نفس عمر ، رضي الله عنه ، حتى ولي ، فاستعان به{[26712]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { أَفَلاَ يَتَدَبّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىَ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ * إِنّ الّذِينَ ارْتَدّواْ عَلَىَ أَدْبَارِهِمْ مّن بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشّيْطَانُ سَوّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىَ لَهُمْ } .
يقول تعالى ذكره : أفلا يتدبر هؤلاء المنافقون مواعظ الله التي يعظهم بها في آي القرآن الذي أنزله على نبيه عليه الصلاة والسلام ، ويتفكّرون في حُججه التي بيّنها لهم في تنزيله فيعلموا بها خطأ ما هم عليه مقيمون أمْ عَلى قُلُوبٍ أقْفالُهَا يقول : أم أقفل الله على قلوبهم فلا يعقلون ما أنزل الله في كتابه من المواعظ والعِبَر . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : أفَلا يَتَدَبّرُونَ القُرآنَ أمْ عَلى قُلُوبٍ أقْفالُهَا إذا والله يجدون في القرآن زاجرا عن معصية الله ، لو تدبره القوم فعقلوه ، ولكنهم أخذوا بالمتشابه فهلكوا عند ذلك .
حدثنا إسماعيل بن حفص الأيلي ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن ثور بن يزيد ، عن خالد بن مَعدان ، قال : ما من آدميّ إلا وله أربع أعين : عينان في رأسه لدنياه ، وما يصلحه من معيشته ، وعينان في قلبه لدينه ، وما وعد الله من الغيب ، فإذا أراد الله بعبدٍ خيرا أبصرت عيناه اللتان في قلبه ، وإذا أراد الله به غير ذلك طَمَس عليهما ، فذلك قوله : أمْ عَلى قُلُوبٍ أقْفالُهَا .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا ثور بن يزيد ، قال : حدثنا خالد بن معدان ، قال : ما من الناس أحد إلا وله أربع أعين ، عينان في وجهه لمعيشته ، وعينان في قلبه ، وما من أحد إلا وله شيطان متبطن فقار ظهره ، عاطف عنقه على عنقه ، فاغر فاه إلى ثمرة قلبه ، فإذا أراد الله بعبدٍ خيرا أبصرت عيناه اللتان في قلبه ما وعد الله من الغيب ، فعمل به ، وهما غيب ، فعمل بالغيب ، وإذا أراد الله بعبد شرّا تركه ، ثم قرأ أمْ عَلى قُلُوبٍ أقْفالُهَا .
حدثنا ابن حُميد ، قال : حدثنا الحكم ، قال : حدثنا عمرو ، عن ثور ، عن خالد بن مَعَدان بنحوه ، إلا أنه قال : ترك القلب على ما فيه .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، قال : حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أفَلا يَتَدَبّرُونَ القُرْآن أمْ عَلى قُلُوبٍ أقْفالُها فقال شاب من أهل اليمن : بل عليها أقفالها ، حتى يكون الله عزّ وجلّ يفتحها أو يفرجها ، فما زال الشاب في نفس عمر رضي الله عنه حتى ولي فاستعان به .
{ أفلا يتدبرون القرآن } يتصفحونه وما فيه من المواعظ والزواجر حتى لا يجسروا على المعاصي . { أم على قلوب أقفالها } لا يصل إليها ذكر ولا ينكشف لها أمر ، وقيل { أم } منقطعة ومعنى الهمزة فيها التقرير ، وتنكير القلوب لأن المراد قلوب بعض منهم أو لإشعار بأنهم لإبهام أمرها في القساوة ، أو لفرط جهالتها ونكرها كأنها مبهمة منكورة وإضافة الأقفال إليها للدلالة على أقفال مناسبة لها مختصة بها لا تجانس الأقفال المعهودة . وقرئ " إقفالها " على المصدر .
قوله تعالى : { أفلا يتدبرون القرآن } توقيف وتوبيخ ، وتدبر القرآن : زعيم بالتبيين والهدى . و : { أم } منقطعة وهي المقدرة ببل وألف الاستفهام .
وقوله تعالى : { أم على قلوب أقفالها } استعارة للرين الذي منعهم الإيمان . وروي أن وفد اليمن وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وفيهم شاب ، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ، فقال الفتى عليها أقفالها حتى يفتحها الله ويفرجها ، قال عمر : فعظم في عيني ، فما زالت في نفس عمر رضي الله عنه حتى ولي الخلافة فاستعان بذلك الفتى{[10374]} .