فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ أَمۡ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقۡفَالُهَآ} (24)

{ أفلا يتدبرون القرآن } أصل التدبر التفكر في عاقبة الشيء وما يؤول إليه أمره وتدبر القرآن لا يكون إلا مع حضور القلب وجمع الهم ، وقت تلاوته ويشترط فيه تقليل الغذاء من الحلال الصرف ، وخلوص النية ، قاله الخازن ، والاستفهام للإنكار ، والمعنى أفلا يتفهمونه فيعلمون بما اشتمل عليه من المواعظ الزاجرة ؟ والحجج الظاهرة ؟ والبراهين القاطعة الباهرة ؟ التي تكفي من له فهم وعقل ، وتزجره عن الكفر بالله والإشراك به والعمل بمعاصيه ؟ قيل : المراد به التأسي ، وقيل : هذه الآية محققة للآية المتقدمة ، ومهيجة لهم على ترك ما هم من الكفر ، الذي استحقوا بسببه اللعنة ، أو كالتبكيت لهم على إصرارهم على الكفر .

{ أم } هي المنقطعة بمعنى بل ، والهمزة التي للانتقال من توبيخ إلى توبيخ أي بل أ { على قلوب أقفالها } فهم لا يفهمون ولا يعقلون قال مقاتل : يعني الطبع على القلوب ، والتنكير إما لتهويل حالها أو تفظيع شأنها . كأنه قيل على قلوب منكرة لا يعرف حالها . وإما لأن المراد بها قلوب بعضهم وهم المنافقون والأقفال استعارة لانغلاق القلب عن معرفة الحق ، وإضافة الأقفال إلى القلوب للتنبيه على أن المراد بها ما هو للقلوب بمنزلة الأقفال للأبواب ، أو أنها أقفال مخصوصة بها ، مناسبة لها .

ومعنى الآية أنه لا يدخل في قلوبهم الإيمان ، ولا يخرج منها الكفر والشرك ، لأن الله سبحانه قد طبع عليها قرئ أقفالها بالجمع ، وإقفالها بكسر الهمزة على أنه مصدر ، كالإقبال ، والآية بعمومها تشمل كل من لا يتدبر القرآن ، ولا يتأسى به ، ويدخل فيه من نزلت فيه دخولا أوليا ، وأما المقلدة التاركة للتدبر في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهؤلاء هم الذين على قلوبهم أقفالها .