{ أفلا يتدبرون } بقلوب منفتحة منشرحة ليهتدوا إلى كل خير { القرآن } أي : يجهدوا أنفسهم في أن يتفكروا في الكتاب الجامع لكل خير ، الفارق بين الحق والباطل ، حتى لا يجسروا على المعاصي .
فإن قيل قال تعالى : { فأصمهم وأعمى أبصارهم } فكيف يمكنهم التدبر في القرآن ؟ وهو كقول القائل للأعمى : أبصر وللأصم اسمع ، أجيب بثلاثة أوجه مترتبة بعضها أحسن من بعض ؛ الأول : تكليف ما لا يطاق جائز . والله تعالى أمر من علم منه بأنه لا يؤمن أن يؤمن فلذلك جاز أن يصمهم ، ويعميهم ، ويذمهم على ترك التدبر .
الثاني : أن قوله { أفلا يتدبرون القرآن } المراد منه الناس .
الثالث : أن يقال أنّ هذه الآية وردت محققة لمعنى الآية المتقدّمة ، كأنه تعالى قال { أولئك الذين لعنهم الله } أي : أبعدهم عنه ، أو عن الصدق ، أو الخير ، أو غير ذلك من الأمور الحسنة فأصمهم لا يسمعون حقيقة الكلام ، وأعماهم لا يبصرون طريقة الإسلام فإذا هم بين أمرين : إمّا لا يتدبرون القرآن ، فيبعدون عنه لأنّ الله تعالى لعنهم وأبعدهم عن الخير والصدق ، والقرآن منها هو الصنف الأعلى بل النوع الأشرف .
وإمّا يتدبرون لكن لا تدخل معانيه في قلوبهم لكونها مقفلة تقديره أفلا يتدبرون القرآن لكونهم ملعونين مبعدين { أم } أي : بل { على قلوب } أي : من قلوب الفاعلين لذلك { أقفالها } فلا تعي شيئاً ولا تفهم أمراً ، ولا تزداد إلا غباوة وعناداً لأنها لا تقدر على التدبير قال القشيري : فلا يدخلها زواجر التنبيه ، ولا ينبسط عليها شعاع العلم ، فلا يحصل لهم فهم الخطاب . والباب إذا كان مغلقاً فكما لا يدخل فيه شيء لا يخرج ما فيه فلا كفرهم يخرج ، ولا الإيمان الذي يدعون إليه يدخل . ا . ه .
فإن قيل ما الفائدة في تنكير القلوب . أجاب الزمخشري بقوله : يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون للتنبيه على كونه موصوفاً ، لأنّ النكرة بالوصف أولى من المعرفة كأنه قال أم على قلوب قاسية أو مظلمة .
الثاني : أن تكون للتبعيض كأنه قال أم على بعض القلوب لأنّ النكرة لا تعم تقول : جاءني رجال فيفهم البعض ، وجاءني الرجال فيفهم الكل . والتنكير في القلوب للتنبيه على الإنكار الذي في القلوب ، وذلك لأنّ القلب إذا كان عارفاً كان معروفاً ، لأنّ القلب خلق للمعرفة فإذا لم تكن فيه المعرفة ، فكأنه لا يعرف قلباً فلا يكون قلباً يعرف ، كما يقال للإنسان المؤذي : هذا ليس بإنسان فكذلك يقال : هذا ليس بقلب ، هذا حجر ، وإذا علم هذا ، فالتعريف إمّا بالألف واللام ، وإما بالإضافة بأن يقال على قلوبهم أقفالها ، وهي لعدم عود فائدة إليهم كأنها ليست لهم .
فإن قيل قد قال تعالى { ختم الله على قلوبهم } [ البقرة : 7 ] وقال تعالى : { فويل للقاسية قلوبهم } [ الزمر : 22 ] .
أجيب بأنّ الأقفال أبلغ من الختم ، فترك الإضافة لعدم انتفاعهم رأساً .
فإن قيل : ما الحكمة في قوله تعالى : { أقفالها } بالإضافة ؟ ولم يقل أقفال كما قال : { قلوب } .
أجيب بأنّ الأقفال كأنها ليست إلا لها ولم يضف القلوب إليهم لعدم نفعها إياهم ، وأضاف الأقفال إليها لكونها مناسبة لها ، أو يقال : أراد به أقفالاً مخصوصة هي أقفال الكفر والعناد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.