نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ أَمۡ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقۡفَالُهَآ} (24)

ولما أخبر بذلك فكان ربما سأل من لا يعي الكلام حق وعيه عن السبب الموجب للعن المسبب للصم{[59750]} والعمى ، أجابه{[59751]} بقوله منكراً موبخاً مظهراً لتاء التفعل إشارة إلى أن المأمور به صرف جميع الهمة إلى التأمل : { أفلا يتدبرون } أي كل من له أهلية التدبر بقلوب منفتحة منشرحة ليهتدوا إلى كل-{[59752]} خير { القرآن } بأن يجهدوا أنفسهم في أن يتفكروا في الكتاب الجامع لكل خير الفارق بين كل ملبس تفكر من ينظر في أدبار الأمور وماذا يلزم من عواقبها ليعلموا أنه لا عون{[59753]} على الإصلاح في الأرض وصلة الأرحام والإخلاص لله في لزوم كل طاعة والبراءة من كل معصية مثل الأمر بالمعروف من الجهاد بالسيف وما دونه ، وربما دل إظهار التاء على أن ذلك من أظهر ما في القرآن من المعاني ، فلا يحتاج في العثور عليه إلى كبير تدبر- والله أعلم .

ولما كان الاستفهام إنكارياً فكان معناه نفياً ، فهو لكونه{[59754]} داخلاً على النفي نفي له فصار إثباتاً ، فكان كأنه قيل : هل يجددون التدبر تجديداً مستمراً لترق قلوبهم به وتنير بصائرهم له ، فيكفوا عن الإفساد والتقطيع ، عادله بقوله مشبهاً للقلوب بالصناديق دالاً على ذلك التشبيه بذكر ما هو مختص بالصناديق من الأقفال : { أم على قلوب } من قلوب الغافلين لذلك ، ونكرها لتبعيضها وتحقيرها بتعظيم قسوتها { أقفالها * } أي الحقيقة{[59755]} بها الجديرة بأن تضاف إليها ، فهي لذلك لا تعي شيئاً ولا تفهم أمراً ولا تزداد إلا غباوة وعناداً ، لأنها لا تقدر على التدبر ، قال القشيري : فلا تدخلها زواجر التنبيه ولا ينبسط عليها شعاع العلم ، فلا يحصل لهم فهم الخطاب ، والباب إذا كان مقفلاً فكما لا يدخل فيه شيء فلا يخرج ما فيه ، فلا كفرهم يخرج ولا الإيمان الذي يدعون إليه يدخل - انتهى . والإضافة تشعر بأن بعض-{[59756]} المتولين على قلوبهم أقفال ، لكن ليست متمكنة فيها ، فهو سبحانه يفتحها بالتوبة عليهم {[59757]}إذا أراد{[59758]} ، وأما الأولون فلا صلاحية لهم ، وفي هذه الآية أعظم حاث على قبول{[59759]} أوامر الله لا سيما الجهاد {[59760]}في سبيله{[59761]} وأشد زاجر عن الإعراض عنه لأن حاصلها أنه لعن من أعرض عنه لكونه لا يتدبر القرآن مع وضوحه ويسره ليعلم فوائد الجهاد الداعية إليه المحببة{[59762]} فيه ، فكان كأن-{[59763]} قلبه مقفل ، والآية من الاحتباك : ذكر التدبر أولاً دليلاً على ضده ثانياً ، والأقفال ثانياً دليلاً على ضدها أولاً ، وسره أنه ذكر نتيجة الخير الكافلة بالسعادة أولاً وسبب الشر الجامع للشقاوة ثانياً .


[59750]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: عن الصمم.
[59751]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: أجابهم.
[59752]:زيد من م ومد.
[59753]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: يجوز.
[59754]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: لكنه.
[59755]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: الحقيرة.
[59756]:زيد من ظ و م ومد.
[59757]:وقع في الأصل بعد"سبحانه" والترتيب من ظ و م ومد.
[59758]:وقع في الأصل بعد"سبحانه" والترتيب من ظ و م ومد.
[59759]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: قلوب.
[59760]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد.
[59761]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م ومد.
[59762]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: للحبة.
[59763]:زيد من م ومد.