قوله تعالى : { وفجرنا الأرض عيوناً فالتقى الماء } يعني ماء السماء وماء الأرض ، وإنما قال : { فالتقى الماء } والالتقاء لا يكون من واحد ، إنما يكون بين اثنين فصاعداً ، لأن الماء يكون جمعاً وواحداً . وقرأ عاصم الجحدري : ( فالتقى الماءان ) . { على أمر قد قدر } يعني : قضي عليهم في أمر الكتاب . وقال مقاتل : قدر الله أن يكون الماءان سواء فكانا على ما قدر .
{ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا } فجعلت السماء ينزل منها من الماء شيء خارق للعادة ، وتفجرت الأرض كلها ، حتى التنور الذي لم تجر العادة بوجود الماء فيه ، فضلا عن كونه منبعا للماء ، لأنه موضع النار .
{ فَالْتَقَى الْمَاءُ } أي : ماء السماء والأرض { عَلَى أَمْرٍ } من الله له بذلك ، { قَدْ قُدِرَ } أي : قد كتبه الله في الأزل وقضاه ، عقوبة لهؤلاء الظالمين الطاغين
وبالقوة ذاتها وبالحركة نفسها : ( وفجرنا الأرض عيونا ) . . وهو تعبير يرسم مشهد التفجر وكأنه ينبثق من الأرض كلها ، وكأنما الأرض كلها قد استحالت عيونا .
والتقى الماء المنهمر من السماء بالماء المتفجر من الأرض . . ( على أمر قد قدر ) . . التقيا على أمر مقدر ، فهما على اتفاق لتنفيذ هذا الأمر المقدر . طائعان للأمر ، محققان للقدر .
{ وَفَجَّرْنَا الأرْضَ عُيُونًا } أي : نبعت جميعُ أرجاء الأرض ، حتى التنانير التي هي محال النيران نبعت عيونا ، { فَالْتَقَى الْمَاءُ } أي : من السماء ومن الأرض { عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } أي : أمر مقدر .
قال ابن جُرَيْج ، عن ابن عباس : { فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ } كثير ، لم تمطر السماء قبل ذلك اليوم ولا بعده ، ولا من السحاب ، فتحت أبواب السماء بالماء من غير سحاب ذلك اليوم ، فالتقى الماءان على أمر قد قدر .
وروى ابن أبي حاتم أن ابن الكُوَّاء سأل عليا عن المجرة فقال : هي شرج السماء ، ومنها فتحت السماء بماء منهمر .
وقوله : وَفَجّرْنا الأرْضَ عُيُونا يقول جلّ ثناؤه : وأسلنا الأرض عيون الماء . كما :
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، في قوله : وَفَجّرْنا الأرْضَ عُيُونا قال : فجّرنا الأرض الماءَ وجاء من السماء .
فالْتَقَى المَاءُ على أمْرٍ قَدْ قُدرْ يقول تعالى ذكره : فالتقى ماء السماء وماء الأرض على أمر قد قدره الله وقضاه ، كما :
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان فالْتَقَى المَاءُ على أمْرٍ قَدْ قُدِرْ قال : ماء السماء وماء الأرض . وإنما قيل : فالتقى الماء على أمر قد قدر ، والالتقاء لا يكون من واحد ، وإنما يكون من اثنين فصاعدا ، لأن الماء قد يكون جمعا وواحدا ، وأريد به في هذا الموضع : مياه السماء ومياه الأرض ، فخرج بلفظ الواحد ومعناه الجمع . وقيل : التقى الماء على أمر قد قُدر ، لأن ذلك كان أمرا قد قضاه الله في اللوح المحفوظ . كما :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب قال : كانت الأقوات قبل الأجساد ، وكان القدر قبل البلاء ، وتلا فالْتَقَى المَاءُ على أمْرٍ قَدْ قُدِرَ .
{ وفجرنا الأرض عيونا } وجعلنا الأرض كلها كأنها عيون متفجرة ، وأصله وفجرنا عيون الأرض فغير للمبالغة . { فالتقى الماء } ماء السماء وماء الأرض ، وقرئ " الماءان " لاختلاف النوعين و " الماوان " بقلب الهمزة واوا . { على أمر قد قدر } على حال قدرها الله تعالى في الأزل من غير تفاوت ، أو على حال قدرت وسويت وهو أن قدر ما أنزل على قدر ما أخرج ، أو على أمر قدره الله تعالى وهو هلاك قوم نوح بالطوفان .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"وَفَجّرْنا الأرْضَ عُيُونا "يقول جلّ ثناؤه: وأسلنا الأرض عيون الماء...
"فالْتَقَى المَاءُ على أمْرٍ قَدْ قُدر" يقول تعالى ذكره: فالتقى ماء السماء وماء الأرض على أمر قد قدره الله وقضاه... وإنما قيل: فالتقى الماء على أمر قد قدر، والالتقاء لا يكون من واحد، وإنما يكون من اثنين فصاعدا، لأن الماء قد يكون جمعا وواحدا، وأريد به في هذا الموضع: مياه السماء ومياه الأرض، فخرج بلفظ الواحد ومعناه الجمع. وقيل: التقى الماء على أمر قد قُدر، لأن ذلك كان أمرا قد قضاه الله في اللوح المحفوظ.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{وَفَجَّرْنَا الأرض عُيُوناً} وجعلنا الأرض كلها كأنها عيون تتفجر، وهو أبلغ من قولك: وفجرنا عيون الأرض، ونظيره في النظم {واشتعل الرأس شَيْباً} [مريم: 4].
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
{على أمر قد قدر}: أي على حالة ورتبة قد فصلت في الأزل.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والتفجير: إسالة الماء، يقال: تفجر الماء، إذا سال، قال تعالى: {حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً} [الإسراء: 90]. والأمر: الحال، والشأن وتنوينه للتعظيم. ووصف الأمر بأنه {قد قدر}، أي أتقن وأحكم بمقدار.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.