روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَفَجَّرۡنَا ٱلۡأَرۡضَ عُيُونٗا فَٱلۡتَقَى ٱلۡمَآءُ عَلَىٰٓ أَمۡرٖ قَدۡ قُدِرَ} (12)

{ وَفَجَّرْنَا الأرض عُيُوناً } وجعلنا الأرض كلها كأنها عيون متفجرة وأصله فجرنا عيون الأرض فغير إلى التمييز للمبالغة بجعل الأرض كلها متفجرة مع الابهام والتفسير ، فالتمييز محول عن المفعول ، وجعله بعضهم محولا عن الفاعل بناءاً على أنه الأكثر ، والأصل انفجرت عيون الأرض وتحويله كما يكون عن فاعل الفعل المذكور يكون عن فاعل فعل آخر يلاقيه في الاشتقاق وهذا منه وهو تكلف لا حاجة إليه ، ومنع بعضهم مجيء التمييز من المفعول فأعرب { عُيُوناً } حالا مقدرة ، وجوز عليه أن يكون مفعولاً ثانياً لفجرنا على تضمينه ما يتعدى إليه أي صيرنا بالتفجير الأرض عيوناً وكان ذلك على ما في بعض الروايات أربعين يوماً ، وقرأ عبد الله . وأصحابه . وأبو حيوة . والمفضل عن عاصم { فجرنا } بالتخفيف { عُيُوناً فَالْتَقَى الماء } أي ماء السماء وماء الأرض ، والإفراد لتحقيق أن التفاء الماءين لم يكن بطريق المجاورة بل بطريق الاختلاط والاتحاد ، وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه . والحسن . ومحمد بن كعب . والجحدري الماآن والتثنية لقصد بيان اختلاف النوعين وإلا فالماء شامل لماء السماء وماء الأرض ، ونحوه قوله

: لنا ( إبلان ) فيهما ما علمتم *** فعن ( أيها ) ما شئتم فتنكبوا

وقيل : فيها إشارة إلى أن ماء الأرض فار بقوة وارتفع حتى لاقى ماء السماء وفي ذلك مبالغة لا تفهم من الأفراد ، وقرأ الحسن أيضاً ما وان بقلب الهمزة واواً كقولهم : علبا وان كما قال الزمخشري ، ولم يرد أنه نظيره بل أراد كما أن هنالك إبدالاً بعلة أنها غير أصلية لأنها زائدة للإلحاق كذلك ههنا لأنها مبدلة والبدل وإن كان من الهاء لكنه أجريت مجرى البدل عن الواو فقيل في النسبة فيه : ماوى ، وجاء في جمعه أمواء كما جاء أمواه ، ولا يبعد أن يكون من ثناه بالواو قاسه على النسبة كذا في الكشف ، وعنه أيضاً المايان بقلب الهمزة ياءاً .

{ على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } أي كائناً على حال قد قدرها الله تعالى في الازل من غير تفاوت أو على حال قدرت وسويت وهي أن ما نزل على قدر ما خرج .

وقيل : إن ماء الأرض علا سبعة عشر ذراعاً ونزل ماء السماء مكملاً أربعين ، وقيل : ماء الأرض كان أكثر وله مقدار معين عند الله عز وجل ، أو على أمر قدره الله تعالى وكبته في اللوح المحفوظ وهو هلاك قوم نوح بالطوفان ، ورجحه أبو حيان بأن كل قصة ذكرت بعد ذكر الله تعالى فيها هلاك المكذبين فيكون هذا كناية عن هلاك هؤلاء ، و { على } عليه للتعليل ، ويحتمل تعلقها بالتقى . وفيه ردّ على أهل الأحكام النجومية حيث زعموا أن الطوفان لاجتماع الكواكب السبعة ما عدا الزهرة في برج مائي ، وقرأ أبو حيوة . وابن مقسم { قُدِرَ } بتشديد الدال .