الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَفَجَّرۡنَا ٱلۡأَرۡضَ عُيُونٗا فَٱلۡتَقَى ٱلۡمَآءُ عَلَىٰٓ أَمۡرٖ قَدۡ قُدِرَ} (12)

قوله : { عُيُوناً } : فيه أوجهٌ ، أشهرها : أنه تمييزٌ ، أي : فَجَّرْنا عيونَ الأرض فنَقله من المفعوليةِ إلى التمييز ، كما يُنقل من الفاعلية .

ومنعه بعضُهم ، وتأوَّل هذه الآية على ما سيأتي : { وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً } أبلغُ مِنْ " فَجَّرْنا عيونَ الأرض " لِما ذُكِر في نظيرِه غيرَه مرةٍ . الثاني : أنه منصوبٌ على البدلِ من " الأرض " . ويُضْعِفُ هذا خُلُوُّه من الضميرِ فإنه بدلُ بعضٍ مِنْ كل . ويُجاب عنه : بأنَّه محذوفٌ ، أي : عيوناً منها كقوله { الأُخْدُودِ النَّارَ } [ البروج : 4-5 ] فالنار بدلُ اشتمالٍ . ولا ضميرَ فهو مقدرٌ . الثالث : أنه مفعولٌ ثانٍ لأنه ضُمِّن " فَجَّرنا " معنى صَيَّرْناها بالتفجير عيوناً . الرابع : أنها حالٌ . وفيه تَجَوُّزان : حَذْفُ مضافٍ ، أي : ذات عيون ، وكونُها حالاً مقدرة لا مقارنةً .

قوله : { فَالْتَقَى المَآءُ } لَمَّا كان المرادُ بالماءِ الجنسَ صَحَّ أَنْ يُقالَ : فالتقى الماء ، كأنه : فالتقى ماءُ السماء وماءُ الأرض . وهذه قراءة العامَّة . وقرأ الحسن والجحدري ومحمد بن كعب ، وتُرْوَى عن أمير المؤمنين أيضاً " الماءان " يتثنيةٍ ، والهمزةُ سالمةٌ . وقرأ الحسن أيضاً " الماوان " بقَلْبها واواً . قال الزمخشري : " كقولهم : عِلْباوان يعني : أنه شَبَّه الهمزةَ المقلبةَ عن هاء بهمزةِ الإِلحاق . ورُوِي عنه أيضاً " المايان " بقَلْبها ياءً وهي أشدُّ مِمَّا قبلَها .

وقوله : { قَدْ قُدِرَ } العامَّةُ على التخفيفِ . وقرأ ابنُ مقسم وأبو حيوةَ بالتشديد ، وهما لغتان قُرِىء بهما : قولُه { قَدَّرَ فَهَدَى } [ الأعلى : 3 ] ، { قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ } [ الطلاق : 7 ] كما سيأتي .