{ لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً } روي عن ابن عباس : أن البرد النوم ، ومنه ما قال الكسائي وقال أبو عبيدة ، تقول العرب : منع البرد ، أي أذهب البرد النوم . وقال الحسن وعطاء : { لا يذوقون فيها بردا } أي : روحاً وراحة . وقال مقاتل : { لا يذوقون فيها برداً } ينفعهم من حر ، { ولا شراباً } ينفعهم من عطش .
وقوله : لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْدا وَلا شَرَابا يقول : لا يَطْعَمون فيها بردا يُبَرّد حرّ السعير عنهم ، إلاّ الغساق ، ولا شرابا يَرْوِيهم من شدّة العطش الذي بهم ، إلاّ الحميم . وقد زعم بعض أهل العلم بكلام العرب أن البرد في هذا الموضع النوم ، وأن معنى الكلام : لا يذوقون فيها نوما ولا شرابا ، واستشهد لقيله ذلك بقول الكنديّ :
بَرَدَتْ مَرَاشِفُها عَليّ فَصَدّني *** عَنْها وَعَنْ قُبُلاتِها البَرْدُ
يعني بالبرد : النّعاس والنوم إن كان يُبرد غليلَ العَطَش ، فقيل له من أجل ذلك البرد ، فليس هو باسمه المعروف ، وتأويل كتاب الله على الأغلب من معروف كلام العرب ، دون غيره . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْدا وَلا شَرَابا إلاّ حَمِيما وَغَسّاقا فاستثنى من الشراب الحميم ، ومن البَرْد : الغَسّاق .
ولو جعل قوله لا يذقون فيها بردا ولا شرابا * إلا حميما وغساقا حالا من المستكن في لابثين أو نصب أحقابا ب لا يذوقون احتمل أن يلبثوا فيها أحقابا غير ذائقين إلا حميما وغساقا ثم يبدلون جنسا آخر من العذاب ويجوز أن يكون جمع حقب من حقب الرجل إذا أخطأه الرزق وحقب العام إذا قل مطره وخيره فيكون حالا بمعنى لابثين فيها حقبين وقوله لا يذوقون تفسير له والمراد بالبرد ما يروحهم وينفس عنهم حر النار أو النوم وبالغساق ما يغسق أي يسيل من صديدهم وقيل الزمهرير وهو مستثنى من البرد إلا أنه أخر ليتوافق رؤوس الآي وقرأ حمزة والكسائي وحفص بالتشديد .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
لا يَطْعَمون فيها بردا يُبَرّد حرّ السعير عنهم، إلاّ الغساق، ولا شرابا يَرْوِيهم من شدّة العطش الذي بهم، إلاّ الحميم.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
لا يذوقون فيها برداً وروحاً ينفس عنهم حرّ النار، ولا شراباً يسكن من عطشهم.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان المسكن لا يصلح إلا بالاعتدال والماء الذي هو حياة كل شيء، قال ذاكراً حال هذا اللبث: {لا يذوقون} أي ساعة ما فكيف بما فوق الذوق {فيها} أي النار خاصة، وكأنه أشار بتقديمه إلى أنهم يذوقون في دار أخرى الزمهرير {برداً} أي روحاً وراحة لنفعهم من الحر أو مطلق البرد {ولا شراباً} من ماء أو غيره يغنيهم من العطش على حال من الأحوال...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
... حقيقة الذوق: إدراك طعم الطعام والشراب. ويطلق على الإِحساس بغير الطعوم إطلاقاً مجازياً. وشاع في كلامهم، يقال: ذاق الألم، وعلى وجدان النفس كقوله تعالى: {ليذوق وبال أمره} [المائدة: 95]. وقد استعمل هنا في معنييه حيث نَصَب {برداً} و {شراباً}.
والبَرْد: ضد الحرّ، وهو تنفيس للذين عذابهم الحر، أي لا يغاثون بنسيم بارد، والبرد ألذُّ ما يطلبه المحرور. وعن مجاهد والسدّي وأبي عبيدة ونفر قليل تفسير البَرْد بالنوم، وأنشدوا شاهديْن غير واضحين، وأيًّا مَّا كان فحمل الآية عليه تكلف لا داعي إليه، وعطف {ولا شراباً} يناكده. والشراب: ما يُشرب والمراد به الماء الذي يزيل العطش. والحميم: الماء الشديد الحرارة.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.