البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرۡدٗا وَلَا شَرَابًا} (24)

وقوله : { لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً } تفسير له ، والاستثناء منقطع ، يعني : لا يذوقون فيها برداً ورَوحاً ينفس عنهم حر النار ، ولا شراب يسكن من عطشهم ، ولكن يذوقون فيها { حميماً وغساقاً } . انتهى .

وكان قد قدم قبل هذا الوجه ما نصه : ويجوز أن يراد لابثين فيها أحقاباً غير ذائقين برداً ولا شراباً إلا حميماً وغساقاً ، ثم يبدلون بعد الأحقاب غير الحميم ، والغساق من جنس آخر من العذاب . انتهى .

وهذا الذي قاله هو قول للمتقدمين ، حكاه ابن عطية .

قال : وقال آخرون إنما المعنى لابثين فيها أحقاباً غير ذائقين برداً ولا شراباً ، فهذه الحال يلبثون أحقاباً ، ثم يبقى العذاب سرمداً وهم يشربون أشربة جهنم .

والذي يظهر أن قوله : { لا يذوقون } كلام مستأنف وليس في موضع الحال ، و { إلا حميماً } استثناء متصل من قوله : { ولا شراباً } ، وإن { أحقاباً } منصوب على الظرف حملاً على المشهور من لغة العرب ، لا منصوب على الحال على تلك اللغة التي ليست مشهورة .

وقول من قال : إن الموصوفين باللبث أحقاباً هم عصاة المؤمنين ، أواخر الآي يدفعه ؛ وقول مقاتل : إن ذلك منسوخ بقوله : { فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً } ، فاسد .

والظاهر ، وهو قول الجمهور ، أن البرد هو مس الهواء القرّ ، أي لا يمسهم منه ما يستلذ ويكسر شدة الحر .

وقال أبو عبيدة والكسائي والفضل بن خالد ومعاذ النحوي : البرد هنا النوم ، والعرب تسميه بذلك لأنه يبرد سورة العطش ، ومن كلامهم : منع البرد البرد ، وقال الشاعر :

فلو شئت حرمت النساء سواكم *** وإن شئت لم أطعم نقاخاً ولا بردا

النقاخ : الماء ، والبرد : النوم .

وفي كتاب اللغات في القرآن أن البرد هو النوم بلغة هذيل ، والذوق على هذين القولين مجاز .

وقال ابن عباس : البرد : الشراب البارد المستلذ ، ومنه قول حسان بن ثابت :

يسقون من ورد البريض عليهم *** برداً يصفق بالرحيق السلسل

ومنه قول الآخر :

أماني من سعدى حسان كأنما *** سقتك بها سعدى على ظمأ بردا

والذوق على هذا حقيقة ، والنحويون ينشدون على هذا بيت حسان .

بردى ، بفتح الراء والدال بعدها ألف التأنيث : وهو نهر في دمشق .