الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرۡدٗا وَلَا شَرَابًا} (24)

قوله تعالى : " لا يذوقون فيها " أي في الأحقاب " بردا ولا شرابا " البرد : النوم في قول أبي عبيدة وغيره ، قال الشاعر{[15748]} :

ولو شئتُ حرمتُ النساء سِوَاكُمُ *** وإن شئتُ لم أَطْعَمْ نُقاخاً ولاَ بَرْدَا

وقاله مجاهد والسدي والكسائي والفضل بن خالد وأبو معاذ النحوي ، وأنشدوا قول الكندي :

بَرَدَتْ مَرَاشِفُهَا عليَّ فَصَدَّنِي *** عنها وعن تقبيلها البَرْدُ

يعني النوم . والعرب تقول : منع البرد البرد ، يعني : أذهب البرد النوم . قلت : وقد جاء الحديث أنه عليه الصلاة والسلام سئل هل في الجنة نوم . فقال : ( لا ، النوم أخو الموت ، والجنة لا موت فيها ) فكذلك النار ، وقد قال تعالى : " لا يقضى عليهم فيموتوا " [ فاطر : 36 ] وقال ابن عباس : البرد : برد الشراب . وعنه أيضا : البرد النوم : والشراب الماء . وقال الزجاج : أي لا يذوقون فيها برد ريح ، ولا ظل ، ولا نوم . فجعل البرد برد كل شيء له راحة ، وهذا برد ينفعهم ، فأما الزمهرير فهو برد يتأذون به ، فلا ينفعهم ، فلهم منه من العذاب ما الله أعلم به . وقال الحسن وعطاء وابن زيد : بردا : أي روحا وراحة ، قال الشاعر{[15749]} :

فلا الظلَّ من برد الضحى تستطيعُه *** ولا الفيءَ أوقات{[15750]} العشيّ تذوقُ

قوله تعالى : " لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا " جملة في موضع الحال من الطاغين ، أو نعت للأحقاب ، فالأحقاب ظرف زمان ، والعامل فيه " لابثين " أو " لبثين " على تعدية فعل .


[15748]:هو العرجى: عبد الله بن عمرو بن عمرو بن عثمان بن عفان. ونسب إلى العرج، وهو موضع قبل الطائف كان ينزل به. والنقاخ كغراب: الماء الطيب.
[15749]:قائله حميد بن ثور يصف سرحة، وكنى بها عن امرأة.
[15750]:كذا في الأصل. وفي كتب اللغة مادة "فيأ" ولا الفيء من يرد العشى . . . الخ.