قوله تعالى : { أرأيت من اتخذ إلهه هواه } وذلك أن الرجل من المشركين كان يعبد الحجر فإذا رأى حجراً أحسن منه طرح الأول وأخذ الآخر فعبده . وقال ابن عباس : أرأيت من ترك عبادة الله وخالقه ثم هوى حجراً فعبده ما حاله عندي { أفأنت تكون عليه وكيلاً } يعني : حافظاً ، يقول : أفأنت عليه كفيل تحفظه من اتباع هواه وعبادة ما يهوى من دون الله . أي : لست كذلك . قال الكلبي : نسختها آية القتال .
وهل فوق ضلال من جعل إلهه معبوده [ هواه ]{[580]} فما هويه فعله فلهذا قال : { أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ } ألا تعجب من حاله وتنظر ما هو فيه من الضلال ؟ وهو يحكم لنفسه بالمنازل الرفيعة ؟
{ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا } أي : لست عليه بمسيطر مسلط بل إنما أنت منذر ، وقد قمت بوظيفتك وحسابه على الله .
ويلتفت بالخطاب إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يعزيه عن عنادهم وجموحهم واستهزائهم ، فهو لم يقصر في الدعوة ، ولم يقصر في الحجة ، ولم يستحق ما لاقوه به من التطاول ، إنما العلة فيهم أنفسهم . فهم يجعلون من هواهم إلها يعبدونه ، ولا يرجعون إلى حجة أو برهان . وماذا يملك الرسول لمن يتخذ إلهه هواه :
( أرأيت من اتخذ إلهه هواه . أفأنت تكون عليه وكيلا ? ) . .
وهو تعبير عجيب يرسم نموذجا عميقا لحالة نفسية بارزة ، حين تنفلت النفس من كل المعايير الثابتة والمقاييس المعلومة ، والموازين المضبوطة ، وتخضع لهواها ، وتحكم شهواتها وتتعبد ذاتها ، فلا تخضع لميزان ، ولا تعترف بحد ، ولا تقتنع بمنطق ، متى اعترض هواها الطاغي الذي جعلت منه إلها يعبد ويطاع .
والله - سبحانه - يخاطب عبده في رفق ومودة وإيناس في أمر هذا النموذج من الناس : ( أرأيت ? )ويرسم له هذه الصورة الناطقة المعبرة عن ذلك النموذج الذي لا جدوى من المنطق معه ، ولا وزن للحجة ، ولا قيمة للحقيقة ؛ ليطيب خاطره من مرارة الإخفاق في هدايته . فهو غير قابل للهدى ، وغير صالح لأن يتوكل الرسول بأمره ، ولا أن يحفل بشأنه : ( أفأنت تكون عليه وكيلا ? ) . .
{ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ } أي : مهما استحسن من شيء ورآه حسناً في هوى نفسه ، كان دينَه ومذهبَه ، كما قال تعالى : { أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } [ فاطر : 8 ] ؛ ولهذا قال هاهنا : { أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا } . قال ابن عباس : كان الرجل في الجاهلية يعبد الحجر الأبيض زماناً ، فإذا رأى غيره أحسن منه عبد الثاني وترك الأول .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.