( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، أولئك هم خير البرية ) .
حكم كذلك قاطع لا جدال فيه ولا محال . ولكن شرطه كذلك واضح لا غموض فيه ولا احتيال . إنه الإيمان . لا مجرد مولد في أرض تدعى الإسلام ، أو في بيت يقول : إنه من المسلمين . ولا بمجرد كلمات يتشدق بها الإنسان ! إنه الإيمان الذي ينشئ آثاره في واقع الحياة : ( وعملوا الصالحات ) . وليس هو الكلام الذي لا يتعدى الشفاه ! والصالحات هي كل ما أمر الله بفعله من عبادة وخلق وعمل وتعامل . وفي أولها إقامة شريعة الله في الأرض ، والحكم بين الناس بما شرع الله . فمن كانوا كذلك فهم خير البرية .
وقوله : { إنّ الّذِينَ آمَنُوا وَعمِلُوا الصّالِحاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ البَرِيّةِ } يقول تعالى ذكره : إن الذين آمنوا بالله ورسوله محمد ، وعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ، وأقاموا الصلاة ، وآتُوا الزكاة ، وأطاعوا الله فيما أمر ونهى . { أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ البَرِيّةِ } يقول : من فعل ذلك من الناس فهم خير البرية .
وقد : حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا عيسى بن فرقد ، عن أبي الجارود ، عن محمد بن عليّ { أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ البٌرِيّةِ } فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «أنْتَ يا عَليّ وَشِيعَتُكَ » .
{ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية . جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا } فيه مبالغات : تقديم المدح ، وذكر الجزاء المؤذن بأن ما منحوا في مقابلة ما وصفوا به ، والحكم عليه بأن من عند ربهم ، وجمع جنات وتقييدها إضافة ووصفا بما تزداد لما نعيما ، وتأكيد الخلود بالتأييد رضي الله عنهم استئناف بما يكون لهم زيادة على جزائهم ، ورضوا عنه لأنه بلغهم أقصى أمانيهم ، ذلك - أي المذكور - من الجزاء والرضوان لمن خشي ربه ، فإن الخشية ملاك الأمر ، والباعث على كل خير .
و{ الذين آمنوا وعملوا الصالحات } شروط جميع أمة محمد ، ومن آمن بنبيه من الأمم الماضية ، وقرأ بعض الناس «خير » .
وقرأ بعض قراء مكة : «خيار » بالألف ، وروي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ هذه الآية : «أولئك هم خير البريئة » .
ثم قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : «أنت يا علي وشيعتك{[11930]} من خير البرية » ، ذكره الطبري ، وفي الحديث : أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم : «يا خير البرية » ، فقال له : ذلك إبراهيم عليه السلام{[11931]} .
قوبل حال الكفرة من أهل الكتاب وحالُ المشركين بحال الذين آمنوا بعد أن أشِير إليهم بقوله : { وذلك دين القيمة } [ البينة : 5 ] ، استيعاباً لأحوال الفِرق في الدنيا والآخرة وجرياً على عادة القرآن في تعقيب نذارة المنذَرين ببشارة المطمئنين وما ترتب على ذلك من الثناء عليهم ، وقدم الثناء عليهم على بشارتهم على عكس نظم الكلام المتقدم في ضدهم ليكون ذكر وعدهم كالشكر لهم على إيمانهم وأعمالهم فإن الله شكور .
والجملة استئناف بياني ناشىء عن تكرر ذكر الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين فإن ذلك يثير في نفوس الذين آمنوا من أهل الكتاب والمشركين تساؤلاً عن حالهم لعل تأخر إيمانهم إلى ما بعد نزول الآيات في التنديد عليهم يَجعلهم في انحطاط درجةٍ ، فجاءت هذه الآية مبينة أن من آمن منهم هو معدود في خير البريئة .
والقول في اسم الإِشارة ، وضمير الفصل والقصر وهمز البريئة كالقول في نظيره المتقدم .
واسم الإِشارة والجملة المخبر بها عنه جميعها خبر عن اسم { إن } .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم ذكر مستقر من صدق النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال :{ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هو خير البرية } يعني خير الخليقة من أهل الأرض . ...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره : إن الذين آمنوا بالله ورسوله محمد ، وعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ، وأقاموا الصلاة ، وآتُوا الزكاة ، وأطاعوا الله فيما أمر ونهى . { أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ البَرِيّةِ } يقول : من فعل ذلك من الناس فهم خير البرية . ...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية } فإن كان ( لفظ ) { البرية } مأخوذا من البرء ، فهو يرجع إلى الأصناف جميعا ، وإن كان من البرى ، وهو التراب ، فهو يرجع إلى البشر خاصة ، فيصير كأنه قال : شر أهل البشر من جنسهم ، وخير أهل الخير من جنسهم لأنهم صاروا قادة في الهدى والخير . ...
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :
فيه مبالغات : تقديم المدح ، وذكر الجزاء المؤذن بأن ما منحوا في مقابلة ما وصفوا به ، ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ إن الذين آمنوا } أي أقروا بالإيمان من الخلق كلهم الملائكة وغيرهم { وعملوا } أي تصديقاً لإيمانهم { الصالحات } أي هذا النوع ، ولما كان نعيم القلب أعظم ، قدمه على نعيم البدن إبلاغاً في مدحهم فقال : { أولئك } أي العالو الدرجات { هم } أي خاصة { خير البرية } . ...
محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :
{ أولئك هم خير البرية } أي أفضل الخليقة ؛ لأنهم بمتابعة الحق عند معرفته بالدليل القائم عليه قد حققوا لأنفسهم معنى الإنسانية التي شرفهم الله بها ، وبالعمل الصالح قد حفظوا نظام الفضيلة الذي جعله الله قوام الوجود الإنساني ...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، أولئك هم خير البرية ) .
حكم كذلك قاطع لا جدال فيه ولا محال . ولكن شرطه كذلك واضح لا غموض فيه ولا احتيال . إنه الإيمان . لا مجرد مولد في أرض تدعى الإسلام ، أو في بيت يقول : إنه من المسلمين . ولا بمجرد كلمات يتشدق بها الإنسان ! إنه الإيمان الذي ينشئ آثاره في واقع الحياة : ( وعملوا الصالحات ) . وليس هو الكلام الذي لا يتعدى الشفاه ! والصالحات هي كل ما أمر الله بفعله من عبادة وخلق وعمل وتعامل . وفي أولها إقامة شريعة الله في الأرض ، والحكم بين الناس بما شرع الله . فمن كانوا كذلك فهم خير البرية .