الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمۡ خَيۡرُ ٱلۡبَرِيَّةِ} (7)

قوله : { الْبَرِيَّةِ } : قرأ نافعٌ وابن ذَكْوان " البَريئة " بالهمزِ في الحرفَيْن ، والباقون بياءٍ مشدَّدةٍ . واخْتُلِف في ذلك الهمز ، فقيل : هو الأصلُ ، مِنْ بَرَأ اللَّهُ الخَلْقَ ابتدأه واخترعَه فيه فعليةٌ بمعنى مَفْعولةٌ ، وإنما خُفِّفَتْ ، والتُزِمَ تحفيفُها عند عامَّةِ العربِ . وقد ذَكَرْتُ أنَّ العربَ التزمَتْ غالباً تخفيفَ ألفاظٍ منها : النبيّ والخابِية والذُّرِّيَّة والبَرِيَّة . وقيل : بل البَرِيَّةُ دونَ همزةِ مشتقةٌ مِنْ البَرا ، وهو الترابُ ، فهي أصلٌ بنفسِها ، فالقراءتان مختلفتا الأصلِ متفقتا المعنى . إلاَّ أنَّ ابنَ عطيةَ غَضَّ مِنْ هذا فقال : " وهذا الاشتقاقُ يَجْعَلُ الهمزةَ خطأً وهو اشتقاقٌ غيرُ مَرْضِيّ " انتهى . يعني أنَّه إذا قيل بأنَّها مشتقةٌ من البَرا وهو الترابُ فمَنْ أين يجيْءُ في القراءةِ الأخرى ؟ وهذا غيرُ لازم ؛ لأنهما قراءتان مُسْتقلَّتان ، لكلٍ منهما أصلٌ مستقلٌ ، فقيل : مِنْ بَرَأَ ، أي : خَلَق ، وهذه مِنْ البَرا ؛ لأنَّهم خُلِقوا مِنْه ، والمعنى بالقراءتين شيءٌ واحدٌ ، وهو جميعُ الخَلْقِ . ولا يُلْتَفَتُ إلى مَنْ ضَعَّف الهمزَ من النحاةِ والقُرَّاءِ لثبوتِه متواتِراً .

وقرأ العامَّةُ " خيرُ البَرِيَّة " مقابلاً لشَرّ . وعامر بن عبد الواحد " خِيارُ " وهو جمع خَيِّر نحو : جِياد وطِياب في جمع جَيِّد وطَيِّب ، قاله الزمخشري .