ولما كان هذا دأب هؤلاء المذكورين{[899]} أنهم لا غرض لهم في اتباع الحق ، وإنما غرضهم ومقصودهم ، ما تهواه نفوسهم ، أمر الله رسوله بالإعراض عمن تولى عن ذكره ، الذي هو الذكر الحكيم ، والقرآن العظيم ، والنبأ الكريم ، فأعرض عن العلوم النافعة ، ولم يرد إلا الحياة الدنيا ، فهذا منتهى إرادته ، ومن المعلوم أن العبد لا يعمل إلا للشيء الذي يريده ،
فسعيهم مقصور على الدنيا ولذاتها وشهواتها ، كيف حصلت حصلوها ، وبأي : طريق سنحت ابتدروها .
وحين يبلغ إلى هذا الحد من بيان وهن عقيدة الشرك وتهافتها عند الذين لا يؤمنون بالآخرة ، ويشركون بالله ، وينسبون له البنات ويسمون الملائكة تسمية الأنثى ! يتجه بالخطاب إلى الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] ليهمل شأنهم ويعرض عنهم ، ويدع أمرهم لله الذي يعلم المسيء والمحسن ، ويجزي المهدي والضال ، ويملك أمر السماوات والأرض ، وأمر الدنيا والآخرة ، ويحاسب بالعدل لا يظلم أحدا ، ويتجاوز عن الذنوب التي لا يصر عليها فاعلوها . وهو الخبير بالنوايا والطوايا ، لأنه خالق البشر المطلع على حقيقتهم في أطوار حياتهم جميعا :
فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا . ذلك مبلغهم من العلم . إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى . ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى . الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش - إلا اللمم - إن ربك واسع المغفرة . هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض ، وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم . فلا تزكوا أنفسكم . هو أعلم بمن اتقى . .
هذا الأمر بالإعراض عمن تولى عن ذكر الله ، ولم يؤمن بالآخرة ، ولم يرد إلا الحياة الدنيا . موجه ابتداء إلى الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] ليهمل شأن أولئك المشركين الذين سبق الحديث في السورة عن أساطيرهم وأوهامهم وعدم إيمانهم بالآخرة .
وهو موجه بعد ذلك إلى كل مسلم يواجهه من يتولى عن ذكر الله ويعرض عن الإيمان به ؛ ويجعل وجهته الحياة الدنيا وحدها ، لا ينظر إلى شيء وراءها ، ولا يؤمن بالآخرة ولا يحسب حسابها . ويرى أن حياة الإنسان على هذه الأرض هي غاية وجوده ، لا غاية بعدها ؛ ويقيم منهجه في الحياة على هذا الاعتبار ، فيفصل ضمير الإنسان عن الشعور بإله يدبر أمره ، ويحاسبه على عمله ، بعد رحلة الأرض المحدودة ، وأقرب من تتمثل فيه هذه الصفة في زماننا هذا هم أصحاب المذاهب المادية .
والمؤمن بالله وبالآخرة لا يستطيع أن يشغل باله - فضلا على أن يعامل أو يعايش - من يعرض عن ذكر الله ، وينفي الآخرة من حسابه . لأن لكل منهما منهجا في الحياة لا يلتقيان في خطوة واحدة من خطواته ، ولا في نقطة واحدة من نقاطه . وجميع مقاييس الحياة ، وجميع قيمها ، وجميع أهدافها ، تحتلف في تصور كل منهما . فلا يمكن إذن أن يتعاونا في الحياة أي تعاون ، ولا أن يشتركا في أي نشاط على هذه الأرض . مع هذا الاختلاف الرئيسي في تصور قيم الحياة وأهدافها ومناهج النشاط فيها ، وغاية هذا النشاط . وما دام التعاون والمشاركة متعذرين فما داعي الاهتمام والاحتفال ? إن المؤمن يعبث حين يحفل شأن هؤلاء الذين يعرضون عن ذكر الله ولا يريدون إلا الحياة الدنيا . وينفق طاقته التي وهبه الله إياها في غير موضعها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.