معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَمَا مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ عَنۡهُ حَٰجِزِينَ} (47)

{ فما منكم من أحد عنه حاجزين } مانعين يحجزوننا عن عقوبته ، والمعنى : أن محمداً لا يتكلم الكذب لأجلكم مع علمه بأنه لو تكلمه لعاقبناه ولا يقدر أحد على دفع عقوبتنا عنه وإنما قال : { حاجزين } بالجمع وهو وصف واحد رداً على معناه كقوله : { لا نفرق بين أحد من رسله }( البقرة- 285 ) .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَمَا مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ عَنۡهُ حَٰجِزِينَ} (47)

وقوله : { فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } أي : لو أهلكه ، ما امتنع هو بنفسه ، ولا قدر أحد أن يمنعه من عذاب الله .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَمَا مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ عَنۡهُ حَٰجِزِينَ} (47)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَمَا مِنكُمْ مّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ * وَإِنّهُ لَتَذْكِرَةٌ لّلْمُتّقِينَ * وَإِنّا لَنَعْلَمُ أَنّ مِنكُمْ مّكَذّبِينَ * وَإِنّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ * وَإِنّهُ لَحَقّ الْيَقِينِ * فَسَبّحْ بِاسْمِ رَبّكَ الْعَظِيمِ } .

يقول تعالى ذكره : فما منكم أيها الناس من أحد عن محمد لو تقوّل علينا بعض الأقاويل ، فأخذنا منه باليمين ، ثم لقطعنا منه الوتين ، حاجزين يحجزوننا عن عقوبته ، وما نفعله به . وقيل : حاجزين ، فجمع ، وهو فعل لأحد ، وأحد في لفظ واحد ردّا على معناه ، لأن معناه الجمع ، والعرب تجعل أحدا للواحد والاثنين والجمع ، كما قيل لا نُفَرّقُ بَينَ أحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وبين : لا تقع إلا على اثنين فصاعدا .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَمَا مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ عَنۡهُ حَٰجِزِينَ} (47)

وأما موقع تفريع قوله : { فما منكم من أحد عنه حاجزين } فهو شديد الاتصال بما استتبعه فرض التقوُّل من تأييسهم من أن يتقول على الله كلاماً لا يسوءَهم ، ففي تلك الحالة من أحوال التَقوُّل لو أخذنَا منه باليمين فقطعنا منه الوتين ، لا يستطيع أحد منكم أو من غيركم أن يحجز عنه ذلك العقاب ، وبدون هذا الاتصال لا يَظهر معنى تعجيزهم عن نصره إذ ليسوا من الولاء له بمظنة نصره ، فمعنى هذه الآية يحوم حول معنى قوله : { وإن كادُوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذن لاتخذوك خليلاً ولولا أن ثبتناك لقد كدتَ تركَنُ إليهم شيئاً قليلاً إذنْ لأذقناك ضِعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً } [ الإسراء : 73 75 ] .

والخطاب في قوله : { منكم } للمشركين .

وإنما أخبر عن { أحد } وهو مفرد ب { حاجزين } جمعاً لأن { أحد } هنا وإن كان لفظه مفرداً فهو في معنى الجمع لأن { أحد } إذا كان بمعنى ذات أو شخص لا يقع إلاّ في سياق النفي مثل عَريب ، ودَيّار ونحوهما من النكرات التي لا تستعمل إلاّ منفية فيفيد العموم ، أي كل واحد لا يستطيع الحجز عنه ويستوي في لفظه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث قال تعالى : { لا نُفرق بين أحد من رسله } [ البقرة : 285 ] وقال : { لَسْتُنَّ كأحدٍ من النساء } [ الأحزاب : 32 ] .

والمعنى : ما منكم أناس يستطيعون الحجز عنه .

والحجز : الدفع والحيلولة ، أي لا أحد منكم يحجزنا عنه . والضمير عائد إلى { رسول كريم } [ الحاقة : 40 ] .

و { مِن } في قوله : { مِن أحد } مزيدة لتأكيد النفي وللتنصيص على العموم . وذِكر { منكم } مع { عنه } تجنيس محرّف .

وهذه الآية دليل على أن الله تعالى لا يُبقي أحداً يدعي أن الله أوحى إليه كلاماً يبلغه إلى الناس ، وأنه يعجل بهلاكه .

فأما من يدعي النبوءة دون ادعاء قوللٍ أُوحي إليه ، فإن الله قد يهلكه بعد حين كما كان في أمر الأسود العنسي الذي ادعى النبوءة باليَمن ، ومُسيلمة الحنفي الذي ادعى النبوءة في اليَمامة ، فإنهما لم يأتيا بكلام ينسبانه إلى الله تعالى ، فكان إهلاكهما بعد مدة ، ومثْلهما من ادعَوا النبوءة في الإِسلام مثل ( بَابك ومازيّار ) .

وقال الفخر : « قيل : اليمين بمعنى القُوة والقدرة ، والمعنى : لأخذنا منه اليمينَ ، أي سلبنا عنه القوة ، والباء على هذا التقدير صلة زائدة . واعلم أن حاصل هذا أنه لو نسب إلينا قولاً لم نقله لمنعناه عن ذلك : إِما بواسطة إقامة الحجة فإنا نقيض له من يعارضه فيه وحينئذٍ يظهر للناس كذبه فيه فيكون ذلك إبطالاً لدعواه وهدْماً لكلامه ، وإما بأن نسلب عنه القدرة على التكلم بذلك القول ، وهذا هو الواجب في حكمة الله تعالى لئلا يشتبه الصادق بالكاذب » اه . فركّب من تفسير اليمين بمعنى القوة ، أن المراد قوة المتقوِّل لا قوة الله وانتزع من ذلك تأويل الباء على معنى الزيادة ولم يسبقه بهذا التأويل أحد من المفسرين ولا تَبعه فيه مَن بعده فيما رأينا . وفيه نظر ، وقد تبين بما فسرنا به الآية عدم الاحتجاج إلى تأويل الفخر .