معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ إِذَا مَسَّهُمۡ طَـٰٓئِفٞ مِّنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبۡصِرُونَ} (201)

قوله تعالى : { إن الذين اتقوا } ، يعني المؤمنين .

قوله تعالى : { إذا مسهم طائف من الشيطان } ، قرأ ابن كثير ، وأهل البصرة ، والكسائي : { طيف } ، وقرأ الآخرون { طائف } بالمد والهمزة ، وهما لغتان : كالميت والمائت ، ومعناهما : الشيء يلم بك ، وفرق قوم بينهما ، فقال أبو عمرو : الطائف : ما يطوف حول الشيء ، والطيف : اللمة والوسوسة ، وقيل : الطائف ما طاف به من وسوسة الشيطان ، والطيف اللمم والمس .

قوله تعالى : { تذكروا } ، عرفوا ، قال سعيد بن جبير : هو الرجل يغضب الغضبة فيذكر الله تعالى ، فيكظم الغيظ ، وقال مجاهد : الرجل يهم بالذنب ، فيذكر الله ، فيدعه .

قوله تعالى : { فإذا هم مبصرون } ، أي يبصرون مواقع خطاياهم بالتذكر والتفكر ، قال السدي : إذا زلوا تابوا . وقال مقاتل : إن المتقي إذا أصابه نزغ من الشيطان تذكر وعرف أنه معصية ، فأبصر فنزع عن مخالفة الله .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ إِذَا مَسَّهُمۡ طَـٰٓئِفٞ مِّنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبۡصِرُونَ} (201)

ولما كان العبد لا بد أن يغفل وينال منه الشيطان ، الذي لا يزال مرابطا ينتظر غرته وغفلته ، ذكر تعالى علامة المتقين من الغاوين ، وأن المتقي إذا أحس بذنب ، ومسه طائف من الشيطان ، فأذنب بفعل محرم أو ترك واجب - تذكر من أي باب أُتِيَ ، ومن أي مدخل دخل الشيطان عليه ، وتذكر ما أوجب اللّه عليه ، وما عليه من لوازم الإيمان ، فأبصر واستغفر اللّه تعالى ، واستدرك ما فرط منه بالتوبة النصوح والحسنات الكثيرة ، فرد شيطانه خاسئا حسيرا ، قد أفسد عليه كل ما أدركه منه .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ إِذَا مَسَّهُمۡ طَـٰٓئِفٞ مِّنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبۡصِرُونَ} (201)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ الّذِينَ اتّقَواْ إِذَا مَسّهُمْ طَائِفٌ مّنَ الشّيْطَانِ تَذَكّرُواْ فَإِذَا هُم مّبْصِرُونَ } . .

يقول تعالى ذكره : إنّ الّذِينَ اتّقَوْا الله من خلقه ، فخافوا عقابه بأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه إذَا مَسّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشّيْطانِ تَذَكّرُوا يقول : إذا ألمّ بهم طيف من الشيطان من غضب أو غيره مما يصدّ عن واجب حقّ الله عليهم ، تذكّروا عقاب الله وثوابه ووعده ووعيده ، وأبصروا الحقّ فعملوا به ، وانتهوا إلى طاعة الله فيما فرض عليهم وتركوا فيه طاعة الشيطان .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : «طَيْفٌ » فقرأته عامة قرّاء أهل المدينة والكوفة : طائِفٌ على مثال فاعل ، وقرأه بعض المكيين والبصريين والكوفيين : «طَيْفٌ مِنَ الشّيْطانِ » .

واختلف أهل العلم بكلام العرب في فرق ما بين الطائف والطيف . قال بعض البصريين : الطائف والطيف سواء ، وهو ما كان كالخيال والشيء يلمّ بك . قال : ويجوز أن يكون الطيف مخففا عن طيّف مثل ميّت ومَيْت . وقال بعض الكوفيين : الطائف : ما طاف بك من وسوسة الشيطان ، وأما الطيف : فإنما هو من اللمم والممس . وقال آخر منهم : الطيف : اللمم ، والطائف : كلّ شيء طاف بالإنسان . وذُكر عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقول : الطيف : الوسوسة .

قال أبو جعفر : وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأ : طائِفٌ مِنَ الشّيْطانِ لأن أهل التأويل تأوّلوا ذلك بمعنى الغضب والزلة تكون من المطيف به . وإذا كان ذلك معناه كان معلوما إذ كان الطيف إنما هو مصدر من قول القائل : طاف يطيف ، أن ذلك خبر من الله عما يمسّ الذين اتقوا من الشيطان ، وإنما يمسهم ما طاف بهم من أسبابه ، وذلك كالغضب والوسوسة . وإنما يطوف الشيطان بابن آدم ليستزله عن طاعة ربه أو ليوسوس له ، والوسوسة والاستزلال هو الطائف من الشيطان ، وأما الطيف فإنما هو الخيال ، وهو مصدر من طاف يطيف ، ويقول : لم أسمع في ذلك طاف يَطيف ، ويتأوّله بأنه بمعنى الميت وهو من الواو . وحكى البصريون وبعض الكوفيين سماعا من العرب : طاف يطيف ، وطفت أطيف ، وأنشدوا في ذلك :

أنّى ألَمّ بِكَ الخَيالُ يَطِيفُ ***ومَطافُه لَكَ ذِكْرَةٌ وَشُعُوفُ

وأما أهل التأويل ، فإنهم اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم : ذلك الطائف هو الغضب . ذكر من قال ذلك .

حدثنا أبو كريب وابن وكيع ، قالا : حدثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد : إذَا مَسّهُمْ طائِفٌ قال : الطيف : الغضب .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزّة ، عن مجاهد ، في قوله : «إذَا مَسهُمْ طَيْفٌ مِنَ الشّيْطانِ » قال : هو الغضب .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبد الله بن رجاء ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير ، عن مجاهد ، قال : الغضب .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : إذَا مسّهُمْ طَيْفٌ مِنَ الشّيْطانِ تَذَكّرُوا قال : هو الغضب .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : طائِفٌ مِنَ الشّيْطانِ قال : الغضب .

وقال آخرون : هو اللّمة والزلة من الشيطان . ذكر من قال ذلك .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : إنّ الّذِينَ اتّقَوْا إذَا مَسهُمْ طائِفٌ مِنَ الشّيْطانِ تَذَكّرُوا الطائف : اللمة من الشيطان . فإذَا هُمْ مُبْصِرُونَ .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : إنّ الّذِينَ اتّقَوْا إذَا مَسّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشّيْطانِ يقول : نزغ من الشيطان . تَذَكّرُوا .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : إنّ الّذِينَ اتّقَوْا إذَا مَسّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشّيْطانِ تَذَكّرُوا يقول : إذا زلوا تابوا . .

قال أبو جعفر : وهذان التأويلان متقاربا المعنى ، لأن الغضب من استزلال الشيطان . واللمة من الخطيئة أيضا منه ، وكان ذلك من طائف الشيطان . وإذ كان ذلك كذلك ، فلا وجه لخصوص معنى منه دون معنى ، بل الصواب أن يعُمّ كما عمه جلّ ثناؤه ، فيقال : إن الذين اتقوا إذا عرض لهم عارض من أسباب الشيطان ما كان ذلك العارض ، تذكروا أمر الله وانتهوا إلى أمره .

وأما قوله : فإذَا هُمْ مُبْصِرُونَ فإنه يعني : فإذا هم مبصرون هدى الله وبيانه وطاعته فيه ، فمنتهون عما دعاهم إليه طائف الشيطان . كما :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : فإذَا هُمْ مُبْصِرُونَ يقول : إذا هم منتهون عن المعصية ، آخذون بأمر الله ، عاصون للشيطان .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ إِذَا مَسَّهُمۡ طَـٰٓئِفٞ مِّنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبۡصِرُونَ} (201)

{ اتقوا } هنا عامة في اتقاء الشرك واتقاء المعاصي بدليل أن اللفظة إنما جاءت في مدح لهم ، فلا وجه لقصرها على اتقاء الشرك وحده ، وأيضاً فالمتقي العائذ قد يمسه طائف من الشيطان إذ ليست العصمة إلا للأنبياء عليهم السلام وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة «طائف » ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي «طيّف » ، وقرأ سعيد بن جبير «طيْف » ، واللفظة إما من طاف يطوف وإما من طاف يطوف وإما من طاف يطيف بفتح الياء ، وهي ثابتة عن العرب ، وأنشد أبو عبيدة في ذلك :

أنى المَّ بك الخيال يطيفُ*** ومطافه لك ذكرة وشعوف

ف «طائف » اسم فاعل كقائل من قال يقول وكبائع من باع يبيع و «طيّف » اسم فاعل أيضاً كميت من مات يموت أو كبيع ولين من باع يبيع ولان يلين و «طيّف » يكون مخففاً أيضاً من طيف كميت من ميت ، وإذا قدرنا اللفظة من طاف يطيف فطيف مصدر ، وإلى هذا مال أبو علي الفارسي وجعل الطائف كالخاطر والطيف كالخطرة ، قال الكسائي : الطيف اللمم والطائف ما طاف حول الإنسان .

قال القاضي أبو محمد : وكيف هذا وقد قال الأعشى : [ الطويل ]

وتصبح عن غب السرى وكأنّما*** ألمّ بها من طائف الجن أولق

ومعنى الآية : إذا مسهم غضب وزين الشيطان معه ما لا ينبغي ، وقوله { تذكروا } إشارة إلى الاستعاذة المأمور بها قبل ، وإلى ما لله عز وجل من الأوامر والنواهي في النازلة التي يقع تعرض الشيطان فيها ، وقرأ ابن الزبير «من الشيطان تأملوا فإذا هم » ، وفي مصحف أبي بن كعب «إذا طاف من الشيطان طائف تأملوا » ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الغضب جند من جند الجن ، أما ترون حمرة العين وانتفاخ العروق ؟ فإذا كان ذلك فالأرض الأرض ، وقوله { مبصرون } من البصيرة أي فإذا هم قد تبينوا الحق ومالوا إليه .