فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ إِذَا مَسَّهُمۡ طَـٰٓئِفٞ مِّنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبۡصِرُونَ} (201)

وجملة { إِنَّ الذين اتقوا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مّنَ الشيطان تَذَكَّرُواْ } مقرّرة لمضمون ما قبلها ، أي : إن شأن الذين يتقون الله ، وحالهم هو التذكر لما أمر الله به من الاستعاذة به ، والالتجاء إليه ، عند أن يمسهم طائف من الشيطان وإن كان يسيراً . قرأ أهل البصرة { طيف } وكذا أهل مكة . وقرأ أهل المدينة والكوفة { طَائِفٌ } . وقرأ سعيد بن جبير { طيف } بالتشديد . قال النحاس : كلام العرب في مثل هذا طيف بالتخفيف على أنه مصدر من طاف يطيف . قال الكسائي : هو مخفف مثل ميت وميت .

قال النحاس ومعناه في اللغة ما يتخيل في القلب أو يرى في النوم ، وكذا معنى طائف . قال أبو حاتم : سألت الأصمعي عن طيف فقال : ليس في المصادر فيعل . قال النحاس : ليس هو مصدراً ولكن يكون بمعنى طائف . وقيل : الطيف والطائف معنيان مختلفان ، فالأوّل : التخيل . والثاني : الشيطان نفسه . فالأوّل : من طاف الخيال يطوف طيفاً ، ولم يقولوا من هذا طائف . قال السهيلي : لأنه تخيل لا حقيقة له ، فأما قوله : { فَطَافَ عَلَيْهم طَائِفٌ مِّن رَّبّكَ } فلا يقال فيه طيف ، لأنه اسم فاعل حقيقة . قال الزجاج : طفت عليهم أطوف ، فطاف الخيال يطيف . قال حسان :

فدع هذا ولكن من لِطَيْف *** يؤرقني إذا ذهب العشاء

وسميت الوسوسة طيفاً ، لأنها لمة من الشيطان تشبه لمة الخيال { فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ } بسبب التذكر ، أي منتبهون . وقيل على بصيرة . وقرأ سعيد بن جبير { تَذَكَّرُواْ } بتشديد الذال . قال النحاس : ولا وجه له في العريبة .

/خ206