فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ إِذَا مَسَّهُمۡ طَـٰٓئِفٞ مِّنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبۡصِرُونَ} (201)

{ إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا } مقررة لمضمون ما قبلها أي : إن شأن الذين يتقون الله وحالهم هو التذكر لما أمر الله به من الاستعاذة والالتجاء إليه عند أن يمسهم طائف من الشيطان وإن كان يسيرا وقرئ طيف مخففا ومشددا قال الناس : كلام العرب في مثل هذا طيف بالتخفيف على أنه مصدر من طاف يطيف ، وقال الكسائي هو مخفف مثل ميت وميت .

قال النحاس : ومعناه في اللغة ما يتخيل في القلب أو يرى في النوم وكذا معنى طائف وقيل معنيان مختلفان فالأول التخيل والثاني الشيطان نفسه فالأول من طاف الخيال يطوف طيفا ، ولم يقولوا من هذا طائف ، قال السهيلي : لأنه تخيل لا حقيقة له وأما قوله { فطاف عليهم طائف من بك } فلا يقال فيه طيف لأنه اسم فاعل حقيقة .

قال الزجاج : طفت عليهم أطوف وطاف الخيال يطيف ، وسميت الوسوسة والجنون والغضب طيفا لأنها لمة من الشيطان تشبه لمة الخيال .

وذكر في الآية الأولى النزغ وهو أخف من الطيف لأن حالة الشيطان مع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أضعف من حاله مع غيرهم ، وقال ابن عباس : الطيف الغضب ، وقرأ سعيد بن جبير تذكروا بتشديد الذال قال النحاس : ولا وجه له في العربية ، وقال السدي : تذكروا أي إذا زلوا تابوا ، وقيل معناه عرفوا ما حصل لهم من وسوسة الشيطان وكيده ، وقال سعيد بن جبير : هو الرجل يغضب فيذكر الله فيكظم ، وقال مجاهد : هو الرجل يلم بالذنب فيذكر الله فيقوم ويدعه .

{ فإذا هم } بسبب التذكر { مبصرون } أي منتهون عن المعصية آخذون بأمر الله عاصون للشيطان ، قاله ابن عباس وقيل على بصيرة ، وقيل : إنهم يبصرون مواقع الخطأ بالتذكر والتفكير وقيل مبصرون الحق من غيره فيرجعون .