غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ إِذَا مَسَّهُمۡ طَـٰٓئِفٞ مِّنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبۡصِرُونَ} (201)

199

ثم بين أن حال المتقين قد تزيد على حال النبي في باب وسوسة إبليس فإن النبي لا يكون له إلا النزع الذي هو كابتداء الوسوسة ، وأما المتقون فقد يمسهم الشيطان وذلك قوله { إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف } قال الفراء : الطائف كالخاطر وجوز بعضهم أن يكون مصدراً كالعاقبة ولكنه بلا تاء . والأصح أنه اسم فاعل من طاف يطوف أو من طاف به الخيال يطيف طيفاً . ومن قرأ طيف فهو إما مصدر أي لمسة من الشيطان ، وإما مخفف طيف «فيعل » من طاف يطيف كلين ، أو من طاف يطوف كهين . قال في الكشاف : وهذا تأكيد وتقرير لما تقدم من وجوب الاستعاذة بالله عند نزغ الشيطان وأن المتقين هذه عادتهم إذا أصابهم نزغ من الشيطان وإلمام بوسوسته . ومفعول { تذكروا } محذوف أي تذكروا ما أمر الله به ونهى عنه فأبصروا السداد . واعلم أن الغضب إنما يهيج بالإنسان إذا استقبح من المغضوب عليه عملاً من الأعمال ثم اعتقد في نفسه كونه قادراً وفي المغضوب عليه كونه عاجزاً هذا إذا كان واقفاً على ظلمات عالم الأجسام فيغتر بظواهر الأمور ، أما إذا انكشف له نور من عالم العقل عرف أن المغضوب عليه إنما أقدم على ذلك العمل لأن الله تعالى خلق فيه داعية جازمة وقد علم منه تلك الحالة في الأزل ، ومتى كان كذلك فلا سبيل إلى تركها فحينئذ يفتر غضبه كما قال صلى الله عليه وسلم : «من عرف سر الله في القدر هانت عليه المصائب » وأيضاً إنه كم أساء في العمل وقد تجاوز عنه وإن الله أقدر عليه وإنه إذا أمضى الغضب كان شريكاً للسباع المؤذية ، وإذا اختار العفو كان مضاهياً للأنبياء والأولياء مستأهلاً للثواب الجزيل ، وإنه ربما انقلب الضعيف قوياً . وبالجملة فالمراد من قوله تعالى { إذا مسهم طائف من الشيطان } ما ذكرنا من الاعتقادات ، والمراد من قوله { تذكروا } الأمور تفيد ضعف تلك الاعتقادات .

/خ206