نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ إِذَا مَسَّهُمۡ طَـٰٓئِفٞ مِّنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبۡصِرُونَ} (201)

ولما كان لا يحصل للنبي صلى الله عليه وسلم إلا شيء خفيف جداً كما نبه عليه بالنزغ ، وهو ليس بمحقق كما نبهت عليه أداة الشك ، وكان لا يستعيذ بالله إلا المتقون فكان كأنه قيل : افعل ذلك عند أول نزغه{[34427]} لتكون من المتقين ، علله بقوله : { إن الذين اتقوا } أي حصل لهم هذا الوصف ، وحقق أذاه لهم بأداة التحقيق - بخلاف ما مضى عند إفراد الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم - فقال : { إذا مسهم طائف{[34428]} } أي طواف على أنه مصدر ، ويجوز أن يكون تخفيف طيّف كميت وهو بمعنى قراءة طائف على أنه فاعل كميت ومائت ، ويجوز أن يكون مصدراً أيضاً ، وهو إشارة إلى أن الشيطان دائر حولهم لا يفارقهم ، فتارة يؤثر فيهم طوافه فيكون قد مسهم مساً هو أكبر من النزغ لكونه أطاف بهم من جميع الجوانب ، وتارة لا يؤثر { من الشيطان } أي البعيد من الرحمة المحترق باللعنة { تذكروا } أي كلفوا أنفسهم ذكر الله بجميع ما ينفعهم في ذلك إقداماً وإحجاماً .

ولما كانوا بإسراع التذكر{[34429]} كأنهم لم يمسهم شيء من أمره ، أشار إلى ذلك بالجملة الاسمية مؤكداً لسرعة البصر بإذا الفجائية : { فإذا هم } أي بنور ضمائرهم { مبصرون * } أي ثابت إبصارهم فلا يتابعون الشيطان ، فإن المتقي من يشتهي فينتهي ، ويبصر{[34430]} فيقصر ، وفي ذلك تنبيه على أن من تمادى مع الشيطان عمي لأنه{[34431]} ظالم ، والظالم هو{[34432]} من يكون كأنه يمشي في الظلام .


[34427]:- في ظ: نزغة.
[34428]:- هذه قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي ويعقوب.
[34429]:- في ظ: التذكير.
[34430]:- من ظ، وفي الأصل: يصبر.
[34431]:- من ظ، وفي الأصل: أنه.
[34432]:- زيد ما بين الحاجزين من ظ.