فكأنهم ليموا على إيمانهم ومسارعتهم فيه ، فقالوا : { وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ } أي : وما الذي يمنعنا من الإيمان بالله ، والحال أنه قد جاءنا الحق من ربنا ، الذي لا يقبل الشك والريب ، ونحن إذا آمنا واتبعنا الحق طمعنا أن يدخلنا الله الجنة مع القوم الصالحين ، فأي مانع يمنعنا ؟ أليس ذلك موجبا للمسارعة والانقياد للإيمان وعدم التخلف عنه .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَآءَنَا مِنَ الْحَقّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصّالِحِينَ } . .
وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم في هذه الآيات ، أنهم إذا سمعوا ما أنزل إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من كتابه ، آمنوا به وصدّقوا كتاب الله ، وقالوا : ما لنا لا نؤمن بالله ؟ يقول : لا نقرّ بوحدانية الله وما جَاءَنا مِنَ الحَقّ ، يقول : وما جاءنا من عند الله من كتابه وآي تنزيله ، ونحن نطمع بإيماننا بذلك أنْ يُدْخِلَنا رَبّنا مَعَ القَوْمِ الصّالِحِينَ يعني بالقوم الصالحين : المؤمنين بالله المطيعين له ، الذين استحقوا من الله الجنة بطاعتهم إياه . وإنما معنى ذلك : ونحن نطمع أن يدخلنا ربنا مع أهل طاعته مداخلهم من جنته يوم القيامة ، ويلحق منازلنا بمنازلهم ودرجاتنا بدرجاتهم في جناته .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : " وَما لَنا لا نُؤْمِنُ باللّهِ وَما جاءَنا مِنَ الحَقّ وَنَطْمَعُ أنْ يُدْخِلَنا رَبّنا مَعَ القَوْمِ الصّالِحِينَ " قال : «القَوْم الصالحون » : رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
{ وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين } استفهام إنكار واستبعاد لانتفاء الإيمان مع قيام الداعي وهو الطمع في الانخراط مع الصالحين ، والدخول في مداخلهم أو جواب سائل قال لم أمنتم ؟ و{ لا نؤمن } حال من الضمير والعامل ما في اللام من معنى الفعل ، أي أي شيء حصل لنا غير مؤمنين بالله ، أي بوحدانيته فإنهم كانوا مثلثين . أو بكتابه ورسوله فإن الإيمان بهما إيمان به حقيقة وذكره توطئه وتعظيما ، ونطمع عطف على نؤمن أو خبر محذوف ، والواو للحال أي ونحن نطمع والعامل فيها عامل الأولى مقيدا بها أو نؤمن .
قوله : { وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحقّ } ، هو من قولهم ، فيحتمل أنّهم يقولونه في أنفسهم عندما يخامرهم التردّد في أمر النزوع عن دينهم القديم إلى الدخول في الإسلام . وذلك التردّد يعرض للمعتقد عند الهمّ بالرجوع في اعتقاده وهو المسمّى بالنظر ؛ ويحتمل أنّهم يقولونه لمن يعارضهم من أهل ملّتهم أو من إخوانهم ويشكّكهم فيما عزموا عليه ، ويحتمل أنّهم يقولونه لمن يعيّرهم من اليهود أو غيرهم بأنّهم لم يتصلّبوا في دينهم . فقد قيل : إنّ اليهود عَيّروا النفر الذين أسلموا ، إذا صحّ خبر إسلامهم . وتقدّم القول في تركيب « ما لنا لا نفعل » عند قوله تعالى : { ومالكم لا تُقاتلون في سبيل الله } في سورة النساء ( 75 ) .
وجملة { ونطمَع } يجوز أن تكون معطوفة على جملة { ما لنا لا نؤمن } . ويحتمل أن تكون الواو للحال ، أي كيف نترك الإيمان بالحقّ وقد كنّا من قبل طامعين أن يجعلنا ربّنا مع القوم الصالحين مثل الحواريّين ، فكيف نُفلت ما عَنّ لنا من وسائل الحصول على هذه المنقبة الجليلة . ولا يصحّ جعلها معطوفة على جملة { نؤمن } لئلا تكون معمولة للنفي ، إذ ليس المعنى على ما لنا لا نطمع ، لأنّ الطمع في الخير لا يتردّد فيه ولا يلام عليه حتّى يَحتاج صاحبه إلى الاحتجاج لنفسه بِ ( ما لنا لا نفعل ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.