قوله تعالى : { ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة } أي : محنة وبلية{ للذين في قلوبهم مرض }شك ونفاق { والقاسية } يعني الجافية ، { قلوبهم } عن قبول الحق وهم المشركون ، وذلك أنهم افتتنوا لما سمعوا ذلك ، ثم نسخ ورفع فازدادوا عتواً ، وظنوا أن محمداً يقوله من تلقاء نفسه ثم يندم فيبطل ، { وإن الظالمين } المشركين { لفي شقاق } ضلال{ بعيد }أي : في خلاف شديد .
{ لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً } لطائفتين من الناس ، لا يبالي الله بهم ، وهم الذين { فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } أي : ضعف وعدم إيمان تام وتصديق جازم ، فيؤثر في قلوبهم أدنى شبهة تطرأ عليها ، فإذا سمعوا ما ألقاه الشيطان ، داخلهم الريب والشك ، فصار فتنة لهم .
{ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ } أي : الغليظة ، التي لا يؤثر فيها زجر ولا تذكير ، ولا تفهم عن الله وعن رسوله لقسوتها ، فإذا سمعوا ما ألقاه الشيطان ، جعلوه حجة لهم على باطلهم ، وجادلوا به وشاقوا الله ورسوله ، ولهذا قال : { وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } أي : مشاقة لله ، ومعاندة للحق ، ومخالفة له ، بعيد من الصواب ، فما يلقيه الشيطان ، يكون فتنة لهؤلاء الطائفتين ، فيظهر به ما في قلوبهم ، من الخبث الكامن فيها ، وأما الطائفة الثالثة ، فإنه يكون رحمة في حقها ، وهم المذكورون بقوله : { وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ }
القول في تأويل قوله تعالى : { لّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشّيْطَانُ فِتْنَةً لّلّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنّ الظّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } .
يقول تعالى ذكره : فينسخ الله ما يلقي الشيطان ، ثُم يُحكم الله آياته ، كي يجعل ما يلقي الشيطان في أمنية نبيه من الباطل ، كقول النبيّ صلى الله عليه وسلم : «تلك الغرانيق العُلَى ، وإن شفاعتهن لُترَتَجَى » . فِتْنَةً يقول : اختبارا يختبر به الذين في قلوبهم مرض من النفاق وذلك الشكّ في صد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحقيقة ما يخبرهم به .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة : أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يتمنى أن لا يعيب الله آلهة المشركين ، فألقى الشيطان في أمنيته ، فقال : «إن الاَلهة التي تدعي أن شفاعتها لترتجى وإنها لَلْغرانيق العُلَى » . فنسخ الله ذلك ، وأحكم الله آياته : أفرأيتمُ اللاّتَ والعُزّى حتى بلغ : مِنْ سُلْطانٍ قال قتادة : لما ألقى الشيطان ما ألقى ، قال المشركون : قد ذكر الله آلهتهم بخير ففرحوا بذلك ، فذكر قوله : لِيَجْعَل ما يُلْقِي الشّيْطانُ فِتْنَةً للّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرّزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، بنحوه .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، في قوله : لِيَجْعَل ما يُلْقِي الشّيْطانُ فِتْنَةً للّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يقول : وللذين قست قلوبهم عن الإيمان بالله ، فلا تلين ولا ترعوي ، وهم المشركون بالله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج : والقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ قال : المشركون .
وقوله : وَإنّ الظّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ يقول تعالى ذكره : وإن مشركي قومك يا محمد لفي خلاف الله في أمره ، بعيد من الحقّ .
{ ليجعل ما يلقي الشيطان } علة لتمكين الشيطان منه ، وذلك يدل على أن الملقى أمر ظاهر عرفه المحق والمبطل . { فتنة للذين في قلوبهم مرض } شك ونفاق . { والقادسية قلوبهم } المشركين . { وإن الظالمين } يعني الفريقين فوضع الظاهر موضع ضميرهم قضاء عليهم بالظلم . { لفي شقاق بعيد } عن الحق أو عن الرسول والمؤمنين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.