فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{لِّيَجۡعَلَ مَا يُلۡقِي ٱلشَّيۡطَٰنُ فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَٱلۡقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمۡۗ وَإِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ لَفِي شِقَاقِۭ بَعِيدٖ} (53)

{ ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم }

{ شقاق بعيد } مخالفة تامة ، وعداوة شديدة .

{ فتنة } عذابا ؛ أو : بلاء واختبارا .

وربنا القوي القدير لا يعجزه أن يحول بين الشيطان الإنسي أو الجني وبين السعي في آيات الله وبذل الجهد في إبطالها ، كما قال سبحانه { . . ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ){[2261]} ؛ لكنه جلت حكمته جعل ذلك ابتلاء واختبارا ، كما بين جل ثناؤه في آية كريمة : { ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون ){[2262]} ؛ وبذلك كانوا يتواصون ويقولون ما حكاه الكتاب المجيد : { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ){[2263]} ؛ والمفتونون بتلك الشبه إما أن يكونوا منافقين ، { في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا . . ){[2264]} ؛ أي شك ونفاق ، وهو المناسب . . وتخصيص المرض بالقلب مؤيد له لعدم إظهار كفرهم . . { والقاسية قلوبهم } أي الكفار المجاهرين . . . ورجح ما قاله ابن عطية بأن أمر التعليل عليه أظهر ، أي : فينسخ الله تعالى ما يلقيه الشيطان ويرده ليجعله بسبب الرد وظهور فساد التمسك به عذابا للمنافقين ، أي سببا لعذابهم حيث استرسلوا معه مع ظهور فساده . . {[2265]} ؛ وهذا على أن معنى : { فتنة } عذابا ؛ { وإن الظالمين لفي شقاق بعيد } وإن المتجاوزين الحد ، منافقين أو مجاهرين بالكفر لفي مخالفة عن الحق تامة ، وعداوة للمهتدين شديدة ؛ { وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ){[2266]} .


[2261]:سورة الأنعام. من الآية 112.
[2262]:سورة الأنعام. الآية 113.
[2263]:سورة فصلت. الآية 26.
[2264]:سورة البقرة. من الآية 10.
[2265]:ما بين العارضتين من روح المعاني
[2266]:سورة البروج. الآية 8.